الإحصاء الوطني : إحصاء السكان أم إحصاء الأرباح؟ حينما تتحول العملية الوطنية إلى حملة إعلانية

  • بتاريخ : 18 سبتمبر، 2024 - 23:19
  • الزيارات : 67
  • ريحانة برس – هيئة التحرير

    في مغرب العجائب، لا تمر عملية وطنية كالإحصاء السكاني دون أن تثير العديد من التساؤلات والشكوك، بل وربما بعض الابتسامات الساخرة. ما كان يُفترض أن يكون إجراءً روتينياً لإحصاء عدد السكان وتحليل ظروفهم المعيشية، أصبح فجأة مشهداً تتداخل فيه الأرقام الفلكية للإشهار والميزانيات الضخمة، ما يثير التساؤل: هل نعدّ السكان أم نحسب حجم الإعلانات؟

    يبدو أن الأرقام المخصصة للإحصاء السكاني هذا العام ليست أرقاماً عادية. ميزانية ضخمة تثير الفضول، ليس لأنها ضرورية لتنفيذ الإحصاء، ولكن لأن جزءاً كبيراً منها يُوجّه للإشهار. نعم، وكأن المغاربة بحاجة إلى تذكير في كل زاوية من شوارعهم ، بأن هناك إحصاء يجب أن يشاركوا فيه.

    فما هو الدور الذي تلعبه الشركات الممولة لهذه الحملات؟ أليس من الغريب أن تتحول هذه العملية الوطنية إلى “فرصة استثمارية” لبعض شركات الإعلانات؟ هل الإحصاء وسيلة لتحقيق الربح أم أنه خدمة عامة تهدف إلى تحسين حياة المغاربة؟

    نصل الآن إلى المنهجية، والأهم إلى الأسئلة التي يطرحها الإحصاء. بعض الأسئلة تبدو وكأنها كُتبت في مكتب معزول عن الواقع المغربي، إذ تغيب الأسئلة الحقيقية حول البطالة المتفاقمة، ارتفاع تكاليف المعيشة، والهجرة المستمرة للشباب. فبدلاً من التركيز على القضايا الكبرى التي تمس الحياة اليومية للمواطن، تأتي الأسئلة وكأنها مُصممة لتغطية حقائق سطحية، دون أن تعالج الجوانب العميقة التي تؤرق المجتمع المغربي.

    الأغرب أن المواطن المغربي، الذي يواجه هذه الأسئلة، قد يتساءل: هل الإحصاء يبحث عن بيانات مفيدة لتحسين أوضاعه؟ أم أن الهدف هو جمع معلومات قد تُستخدم لأغراض تجارية أو انتخابية؟ فهل نحن فعلاً جزء من إحصاء سكاني، أم أن البيانات التي ندلي بها قد تجد طريقها إلى السوق الإعلاني؟

    وكأن المغاربة لا يعانون بما فيه الكفاية، تأتي الإحصائية الوطنية مشفوعة بتحذيرات من عقوبات لمن يرفض المشاركة. تخيل أن الحكومة تطلب منك الإجابة على استمارة، وإن لم تفعل، فقد تواجه العقاب. الأمر يبدو كأنه مشهد من مسرحية هزلية حيث يتعرض المواطن لضغوط، ليس فقط للإدلاء بمعلوماته، ولكن أيضاً للقبول بالأمر وكأنه واجب وطني غير قابل للنقاش.

    هل أصبح الإحصاء السكاني وسيلة لإجبار الناس على الإفصاح عن حياتهم الخاصة، تحت ذريعة العقوبات؟ أليس من المفترض أن يكون المواطن شريكاً في بناء الوطن، لا مُجبَراً على التعاون بأسلوب التهديد.

    مع كل هذه التساؤلات، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الإحصاء أصبح أشبه بحملة إعلانية ضخمة. فالشركات الراعية، والإعلانات التي تغمر الفضاء العام، والميزانيات المخصصة لهذا الإشهار، تشير إلى أن هناك من يرى في الإحصاء فرصة لتحقيق مكاسب مالية.

    هل تحولت عملية الإحصاء، التي يُفترض أنها تتعلق بالمواطن ومعرفة احتياجاته، إلى وسيلة لجني الأرباح لبعض الجهات؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد نكون بالفعل أمام “إحصاء الأرباح” بدلاً من إحصاء السكان.

    ختام: إحصاء أم تجارة؟

    في النهاية، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل الهدف من الإحصاء هو تحسين حياة المغاربة، أم أن وراء الأرقام والبيانات تكمن صفقات تجارية وإعلانات مدفوعة؟ وبينما المواطن المغربي ينتظر من الإحصاء أن يقدم حلولاً لمشاكله اليومية، يبدو أن هناك من يخطط لتحقيق مكاسب خاصة على حساب هذه العملية.

    إذا كانت الإعلانات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فلا عجب أن الإحصاء الوطني نفسه قد تحول إلى وسيلة لجمع الأرباح. فهل نعدّ عدد السكان حقاً؟ أم أننا في مرحلة جديدة حيث نحصي فقط الأرباح والمكاسب التجارية؟