ريحانة برس- أحمد زعيم
كشفت العواصف المطرية التي نزلت مؤخرا على عدد من المناطق بالمغرب وبصفة خاصة بأقاليم الجنوب الشرقي (طاطا الرشيدية ورزازات فكيك…) عن هشاشة البنيات التحتية، مما نتج عنه وقوع فياضات أدت الى خسائر بشرية وكذلك مادية.
الفاجعة الطبيعية لا تمنع من تحميل المسؤوليات لعدة جهات التي وراء هذه الهشاشة سيما عندما نعلم تغنيها بالقيام بانجازات كثيرا ما كشفت الوقائع عن زيف تصاميمها وأشغالها.. هذا إن كانت فعلا تلك المشاريع قد تم تسطيرها؟
فبعد المعاناة من قلة التساقطات بسبب توالي سنوات الجفاف الحادة والعطش، والوباء والزلزال، جاءت الأمطار بالجنوب الشرقي لتكشف عن هشاشة البنية التحتية المغشوشة والغير منجزة والمشاريع وصفقات الدراسات الوهمية…
أمطار رعردية تسببت في إغراق البيوت والطرقات والقناطر والشوارع والأزقة… وراحت ضحيتها أرواح بشرية، ومفقودين، وأضرار مادية كبيرة وانهيار القناطر والجسور المغشوشة، وجرف الأشجار والمنازل والطرقات والمسالك، والتي تحولت إلى اوحال وبرك ومجاري مائية… ناهيك عن تسرب المياه للمباني وما نتج عنه من أضرار و تصدعات جسيمة أصابت الممتلكات العامة والخاصة…
لتزداد الوضعية صعوبة مع انسداد مياه الصرف الصحي وانقطاع الكهرباء وتلوث الماء الصالح للشرب… وعدم القدرة على استعمال الطرق المنهارة للتنقل للمراكز الاستشفائية والتزود بالمواد الغذائية…
إن ما كشفت عنه التساقطات المطرية بالجنوب الشرقي وزلزال الحوز، من بنيات تحتية مهترئة ومشاريع وهمية..، في ظل التخاذل واللامبالاة، و تغول الفساد وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة يتطلب وقفة تأمل كبيرة بشأن هذه الكوارث التي تعدتها من طبيعية إلى بشرية…
وبالتالي تدفعنا لطرح مجموعة من التساؤلات أهمها: “من يحاسب من؟”
إذا استحضرنا ماكان ما جرى..وما يجري وما كشفت عنه الأمطار الموثقة عبر مواقع التواصل الإجتماعي والمنابر الإعلامية…من جرائم الغش في المنشآت العمومية والبنيات التحتية، من طرقات وقناطر ومسالك وسوء التدبير، وعدم الجاهزية والقدرة في التعامل مع الطوارئ، واتخاد الاحتياطات والإجراءات اللازمة في تفعيل الإنذارات والتحذيرات، وإخلاء الضحايا، ووعدم توفير الوسائل التقنية والبشرية المختصة في الإنقاذ والإستغاثة، قد رافقها سخط وغضب بين أوساط الساكنة، وخصوصا بعدما تمكن بعض المتطوعين من انتشال جثامين، واستعمال شاحنة النفايات لنقلهم…
ونظرا لخطورة الأوضاع وفي غياب تحديد المسؤوليات، فلقد دفعت هذه الأوضاع الكارثية بالعديد من الجمعيات الحقوقية والساكنة بالمناطق المنكوبة إلى المطالبة بفتح تحقيقات لملاحقة المسؤولين على صفقات المشاريع الوهمية والبنية التحتية المهترئة والمغشوشة…التي لا تحتاج إلى أي جهة للتبليغ أو تقديم شكاوي عنها!.. ابطالها سياسيون ومنتخبون اصدقاء وذوي القربى….. “منهم واليهم… الحبة والبارود من دار القايد”، تربطهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالشركات المحظوظة المستفيدة من صفقات إنجاز المشاريع المغشوشة، المملوكة للمقربين والاصدقاء والأحباب… بتواطؤ مع بعض الجهات الرقابية، التي تغض الطرف للحصول على نصيبها من الأموال العمومية المنهوبة.. وعن طريق صفقات عمومية ملغومة… ولاتهمها مصالح العباد والبلاد سوى الاختلاس ومراكمة الثروة، والسيطرة على الموارد وخيرات البلاد، والمتاجرة في الانتخابات والأزمات، والتحكم بالقرار السياسي والإجتماعي والاقتصادي والإداري بالتحايل على القوانين لتكميم الأفواه وشرعنة القمع، وتحريم التبليغ عن الفساد المالي والإداري، بدل حماية المبلغين وفاضحي الفساد وحماة المال العام…
هذا فضلا عن تقييد دورالنيابة العامة، ومحاولة تسخير جميع المؤسسات لتحصين أنفسهم من المحاسبة والإفلات من العقاب!؟؟
إن ما حصل هو تحصيل حاصل بسبب ما انتجته سياسات التفقير والتهميش والتشريد والتهجير، وحرمان المواطنات والمواطنين من أبسط الحقوق المشروعة، صونا للكرامة والحفاظ على الأمن والاستقرار، الأمر الذي اعتبرته بعض الجهات الحقوقية بمثابة جرائم في حالة تلبس وخيانة للوطن والمواطنين.
وكما جاء في تصريح محمد الغلوسي رئيس جمعية حماية المال العام:
“يسعون إلى تكميم أفواه المجتمع وتكبيل النيابة العامة وتوظيف المؤسسات للتشريع لحفنة من اللصوص لترتفع ثروتهم وتتغول مافيات الفساد والنهب، تتوسع مصالحهم ويُفَقِرُونَ الوطن، إجرامهم ضد البلد وأهله وبسطائه يظهر من خلال “مشاريعهم الوهمية”….مشاريع تكشف أن الجريمة ارتكبت في حالة تلبس ورغم ذلك يظلون دون محاسبة أوعقاب؟!.
طاطا ضربها الفيضان وأصبحت منكوبة في بضع دقائق من الأمطار ،طاطا كشفت عورتهم وعرت قبحهم، كما عرى الزلزال في مناطق أخرى جشع نخب ومسؤولين يتباهون بالتنمية، والتنمية بريئة من إِفْكِهِمْ…
حذار من الضغط أكثر على صبر وتفهم الناس!… لقد تجاوزتم كل الخطوط وتدفعون البلد إلى المجهول.”
فهل ستتواصل معاناة الساكنة إلى ما لا نهاية؟ وهل ستستمر الآذان صماء والعيون عمياء عن سماع و رؤية هذه الحقائق المؤلمة؟!.
أم سيتم تفعيل اليقظة والتدابير الاستباقية والمحاسبة المنتظرة لتطهير البلاد من الخونة والمتلاعبين بمصير الوطن والمواطنين؟
أم سننتظر التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية الأشد فتكا، ليحدث الإنفجار الكبير في وجوههم؟
“هل مازالوا يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس في ذعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟ من أين جاء هؤلاء ؟ بل من هؤلاء ؟” كما جاء في إحدى كتابات الأديب والصحفي العربي الراحل الطيب محمد صالح أحمد.