استراتيجية “الحرب على الارهاب ” وديمومــــــة ” الجهاد”

  • بتاريخ : 9 يونيو، 2014 - 00:49
  • الزيارات : 11
  • مروان شحادة مدير مركز رؤية للدراسات السياسية والاستراتيجية باحث متخصص بالحركات السلفية الجهادية شكلت هجمات 11 أيلول 2001 على برجي التجارة العالمية

    مروان شحادة

    مدير مركز رؤية للدراسات السياسية والاستراتيجية

    باحث متخصص بالحركات السلفية الجهادية

    شكلت هجمات 11 أيلول 2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك والبنتاغون في واشنطن وما أعقبه من احتلال لافغانستان والعراق منعطفا حاسماً في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة .
    حيث برز في هذا السياق مفهوم ” الحرب على الارهاب ” من جهة و ” مفهوم الجهاد ” من جهة أخرى، وقد تزعمت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة تحالف دولي واسع ضد تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن باعتباره مسؤولا عن هجمات 11 9 وإمارة طالبان الاسلامية بزعامة الملا محمد عمر بحجة توفير الملاذ الآمن للقاعدة ، ومن خلال متابعة الأحداث ظهر جليا أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في تدويل حربها على الإرهاب وهو ما يكافئ ” الإسلام الجهادي ” ، وفي المقابل فإن تنظيم القاعدة نجح في عولمة” الجهاد” .

    السلفية :

    لا جدال بأن السلفية تعني الرجوع الى الأصلين ” الكتاب والسنة ” من خلال فهم السلف الصالح المتمثل في الصحابة ومن تبعهم من سلف الأمة ، وهذا الفهم بجانبيه النظري والعملي يؤسس لرؤية شاملة لشتى مناحي الحياة المختلفة عقديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ،ليشكل نظرية ومنهجا حركيا شموليا للتغيير .
    وقد استقر رأي الفقهاء منذ زمن بعيد أن حركة التغيير الاسلامي لها ثلاث مراتب في الاعمال الشرعية وهي الدعوة والاحتساب والجهاد ، وقد انعكس هذا الفهم والتأصيل الفقهي على رؤية الحركات والجماعات الاسلامية المعاصرة ، حيث تبنت بعض الجماعات مفهوم الدعوة ووضعته على رأس أولوياتها كما هو شأن جماعة ” التبليغ والدعوة ” وغيرها من الجماعات والجمعيات المنتشرة في العالم الاسلامي ، وتضع هذه الجماعات مسألة ” الدعوة ” على رأس أولوياتها ولا تتدخل في مجال الاحتساب وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا تنشغل بالجهاد ، فمنهجها التغييري يقتصر على تصحيح الاعتقاد وتزكية النفس ، ولا تنشغل بالسياسة ، وتتبنى منهجا مسالما في التعامل مع الانظمة السياسية المختلفة .
    وقد تعاطت جماعات وحركات إسلامية أخرى مع مفهوم الاحتساب ووضعته على رأس أولوياتها في العمل والتغيير ومن أبرز هذه الحركات والجماعات ” الاخوان المسلمون ” التي تبنت منهجا اصلاحيا سلميا متدرجا في التعامل مع الانظمة السياسية ، حيث مارست العمل السياسي وشاركت من خلال الدخول الى البرلمان في أكثر من مكان ، ودخلت في تشكيلة بعض الحكومات في العالم العربي والاسلامي .
    أما بالنسبة لمفهوم الجهاد فقد شكل أحد أهم محاور الاستقطاب في الربع الأخير من القرن العشرين بحيث ظهرت عشرات الحركات والجماعات التي تبنت الجهاد سبيلا وحيدا للتغيير الشامل ، وكان الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفياتي عام 1979 ، قد ساهم في إعطاء الجهاد دفعة قوية وأغرى عددا كبيرا من الجماعات في العالم العربي والاسلامي على استنساخ التجربة الافغانية في بلدانهم ، وشهد عقد التسعينات من القرن المنصرم ظهور عدد كبير من الحركات والجماعات الاسلامية المسلحة في الجزائر ، وليبيا ، واليمن ، والسعودية ، ومصر ، والمغرب ، والاردن ، وكذلك في الشيشان ، وداغستان والبوسنة ، وطاجيكستان ، وكشمير ، والفلبين وغيرها من الدول ، فضلا عن الشبكات والمجموعات التي تشكلت في أوروبا وأفريقيا .
    ومن المعلوم بأن هذه الحركات الجهادية تتبنى اتجاها سلفيا واضحا يرتكز على تراث الاصلاحية الاسلامية ، والسلفية كمدرسة فكرية تتميز بالاختلاف والتنوع ويمكن تقسيم التيارات السلفية الى ثلاث مدارس رئيسية وهي :
    المدرسة السلفية التقليدية – الرسمية – وهي التي تؤمن بنشر الدين من خلال الاهتمام بالجانب العلمي والتركيز على التربية والتصفية بتجريد التوحيد ومحاربة البدع ، وهذه السلفية لا تتصارع على السلطة بل شرعيتها مستمدة من شرعية النظام الحاكم ، وموالاة ولي الامر .
    أما المدرسة الثانية فهي المدرسة السلفية الاصلاحية والتي تؤمن بالتغيير والاصلاح من دون استخدام العنف والقوة في التغيير وانما من خلال نشر المباديء القويمة للدين ومحاربة الفساد ومحاسبة الانظمة ، بالاضافة الى انها تشترك مع السلفية العلمية التقليدية في تجريد التوحيد ومحاربة البدع ، وتراوح ما بين شرعية الانظمة والمشاركة السياسية معها بحسب الظروف والامكانات المتاحة .
    اما المدرسة السلفية الاخيرة فهي المدرسة السلفية الجهادية وهي تختلف عن المدارس السلفية الاخرى ليس في المباديء الدينية النظرية ، وانما في الجانب العملي التطبيقي ، وفي اشكالية شرعية الانظمة الحاكمة .
    وفي مقالنا هذا سنركز الحديث على المدرسة الأخيرة من المدارس السلفية ، وهي المدرسة السلفية الجهادية وقد تزعم هذه المدرسة أخيرا تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن ، وسوف نبحث جملة المفاهيم والمرتكزات الفكرية لهذا التيار الذي اصبح يؤثر على الامن والسلام والاستقرار ليس على منطقتنا فحسب بل على العالم أجمع .

    المرتكزات الفكرية للسلفية الجهادية :

    والقاعدة مدرسة فكرية اسلامية تنتمي الى أيديولوجيا السلفية الجهادية المجددة ، التي تستند الى مرجعيات تراثية تاريخية كالإمام أحمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة في المذهب السني ، ومجدد المذهب شيخ الإسلام بن تيمية في القرن الثالث عشر الميلادي ؛ والذي يُعد الأب الروحي للحركات السلفية الجهادية المعاصرة ، ومحمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية في السعودية في القرن الثامن عشر الميلادي ، ويعتبر سيّد قطب الأب الحقيقي للسلفية الجهادية المعاصرة ، وكذلك يعتبر أبو محمّد المقدِسي وأبو قَتادة الفلسطيني من أبرز منظري هذا التيار .
    وتستند السلفية الجهادية المعاصرة في خطابها على جملة من المفاهيم والمقولات أهمها :
    التوحيد ؛ بالمعنى الشمولي ويعني في شقه السياسي والاجتماعي وجوب تحكيم الشريعة الاسلامية واقامة دولة الخلافة ، باعتبار أن الدول العربية والاسلامية المعاصرة كافرة مرتدة وتخضع لحكم ” الطاغوت ” و ” الجاهلية ” ، ولا يعترف أنصار السلفية الجهادية بشرعية الأنظمة السياسية الحالية ، ولا تقر بالدساتير الوضعية ، وبنظم الديمقراطية ، والشيوعية والاشتراكية ، والقومية ، وترفض العمل الحزبي التعددي ، وتضع الجهاد سبيلا وحيدا للاطاحة بالنظم السياسية المعاصرة ، باعتبارها سلبت حق التشريع والحكم عن طريق البرلمانات وتطلق أحكاما بكفر كل من قبل بالانظمة السياسية المعاصرة ، أو شارك بها بشكل مباشر كالأنخراط في الجيش أو البرلمانات أو القضاء ، او شارك بشكل غير مباشر كالتحاكم وممارسة الانتخاب ، كل ذلك يقع تحت مفهوم ” الولاء والبراء ” الذي ينص على موالاة المؤمنين ونصرتهم ، والتبروء من الكافرين ومعاداتهم وقتالهم مستندين في تأوليهم هذا لقول الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون الله ؛ بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم ” .

    التأصيل للعمليات الاستشهادية واستراتيجية القتال :

    واذا كانت السلفية الجهادية هي الاطار الجامع بين الزرقاوي وبن لادن ، فان تطبيقات المفاهيم المؤسسة على الواقع شكل جوهر الخلاف بينهما ، فبينما كان الزرقاوي يرى كفر الانظمة العربية دون تمييز ، كان بن لادن يستثني بعض البلدان في المراحل المبكرة ، خصوصا المملكة العربية السعودية ، وفي الوقت الذي بايع بن لادن الملا محمد عمر ونظام طالبان ، كان الزرقاوي متشددا بخصوص البيعة ، لدخول نظام طالبان منظمة الامم المتحدة، ولعل استراتيجية العمل كان لها أكبر الأثر في الخلاف ، ففي الوقت الذي طور فيه بن لادن والظواهري استراتيجيته من قتال العدو القريب الذي يتمثل في أنظمة الحكم العربية ، الى قتال العدو البعيد المتمثل في اليهود والصليبيين بزعامة الولايات المتحدة ، كان الزرقاوي متمسكا بوجوب قتال العدو الأقرب .
    وتعتمد القاعدة على استراتيجية الإستنزاف وتكتيكات العنف والرعب في جهادها ضد أعدائها ، من خلال استهداف أهداف حسّاسة وحيوية ذات تأثير كبير على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وضربها بقوة لإحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية والمعنوية ، ولأنها غير قادرة على مواجهة جيوش نظامية ، وجها لوجه لعدم امتلاكها نفس العدة والعتاد التي تمتلكها تلك الجيوش ، فأن القاعدة تعتمد على أسلوب العمليات الإنتحارية ” الإستشهادية ” في استراتيجية حرب العصابات المستخدمة ضد أعدائها ، وذكر الزرقاوي ذلك بوضوح في رسالته التي حملت عنوان وعاد أحفاد بن العلقمي ” فكان لا بد من تكثيف عملياتنا الاستشهادية لخلخلة توازن العدو ، وهذه العمليات هي سلاحنا الفتّاك الذي يثخن في العدو الجراح ، وتنفلع به قلوب أفراده أو تعظم فيه النكاية ، هذا مع سهولته علينا وقلة الخسائر بالنسبة لنا ” .
    وتعتبر مسألة العمليات الاستشهادية ( الانتحارية ) من أكثر المسائل المثارة في العالم الاسلامي في الوقت الراهن ، وهناك جدل وخلاف حول مشروعيتها ، ولا يوجد اجماع بخصوصها ، وقد استغرق القول بجوازها وقتا طويلا من قبل الحركات الجهادية والسلفية في العالم العربي والاسلامي ، وكانت معظم هذه الحركات لا تجيزها ، وتعتبر حركتي حماس والجهاد الاسلامي من أوائل من استخدم هذه الطريقة ضد الاسرائيليون وتبنى تنظيم القاعدة جوازها في حدود سنة 1998 ، مع الاعلان عن قيام ” الجبهة الاسلامية العالمية ” ، مع وجود تصرفات فردية كما حدث في تفجيرات الخبر والرياض قبل هذا التاريخ ، وفتحت عملية تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998 الباب واسعا للقيام بهذه العمليات ، واستقر أمر الحركات السلفية الجهادية على جوازها وبقي الزرقاوي متحفظا ولا يجيزها حتى عام 1999 ، عندما التقى الشيخ أبو عبد الله المهاجر واقنعه بها ، وقد صدرت عشرات الدراسات والابحاث من لدن هذه الجماعات لبيان جوازها وشرعيتها وأن من يقوم بها هو شهيد في سبيل الله ، يتحصل أعلى المراتب والدرجات في الجنة .
    وظهرت إشكالية أخرى هامة متعلقة بآثار تلك العمليات في حال تواجد مدنيين من المسلمين الآمنين في الأماكن المستهدفة والذين يقتلون بسبب مثل تلك العمليات – رحمهم الله – وتسمى هذه المسألة في فقه الجماعات السلفية الجهادية مسألة التترس ، والتي تجيز قتل من تواجد من المسلمين في الاماكن المستهدفة وأن أجر هؤلاء يقع على الله ويبعثون على نياتهم ، وانه في حالة حصول مثل هذه الاخطاء فانها لاتعتبر مخالفة شرعية بل مخالفة ميدانية تزداد امكانية وقوعها في حالة الحرب ، وانها لا تدخل في باب عصمة دماء المسلمين ، والتي تستباح دمائهم كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ” الدماء معصومة إلاّ بثلاث ، القتل العمد ، والثيّب الزاني ، والمرتد عن دينه المفارق للجماعة ) ، ومن هذه الاشكالية في قتل معصومي الدماء من المسلمين تقع على عاتق من دفع ديتهم ؟ وما هو التأصيل الشرعي الذي دفع بهؤلاء للقيام بمثل هذه الاعمال ، واظن انها تحتاج الى وقفة جادة غيورة من قبل العلماء الربانيين الورعين للوقوف على الاسباب والذرائع والدوافع التي دفعت بهذه التنظيمات والجماعات الى الخروج عما هو مألوف في قتالهم واختيار اهدافهم .

    ولا بد من وقفات ومراجعات من كافة أطياف المجتمع وعلى الاخص العلماء وطلبة العلم الشرعي ، وغيرهم من المفكرين والباحثين والساسة وأصحاب القرار ، ودراسة الاسباب والدوافع الحقيقية لمثل هذه التصرفات والافعال ، للخروج بحل يجنب الأمة فتنة اذا اشتعلت نارها لا يطفأها اجتماع العقلاء ويذهب ضحيتها الأبرياء .
    وأن تكون المعالجة لا تركز على الجانب الامني فقط ، بل لا بد من مراجعة شاملة لاهم الموضوعات المتعلقة بهذا الصراع واعتقد ان اهم محاوره ، شرعية الانظمة ، واشكالية الفتوى ومن له الحق بالفتوى ، ومحور الاصلاح والتغيير من قبل كافة الاطراف ، والابتعاد عن حالة الاقصاء والتهميش التي تنتهجها كافة الاطراف .
    وتعتبر التفجيرات الخطيرة التي شهدتها العاصمة الاردنية عمان مؤخرا في 911 ، مؤشرا أكيدا على خطورة المرحلة المقبلة في التعامل مع الاحداث من قبل كافة اطراف الصراع في المنطقة اقليميا ودوليا ، من هنا كان لا بد لنا من القاء مزيد من الضوء على هذا التنظيم الذي بدأ صغيرا ، واصبح أكثر التنظيمات الفاعلة ليس على الساحة العراقية فحسب بل على كل المنطقة كافة .

    تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين :
    بدأ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين نشاطه في العراق عقب انتهاء العمليات العسكرية الأمريكية الرئيسية واحتلال العراق في نيسان 2004 ، بشكل متواضع بزعامة أبو مصعب الزرقاوي الذي عمل على جمع شتات المتطوعين وعمل لفترة بدون أي مسمى ثم تحول الى اسم ” جماعة التوحيد والجهاد ” بمشورة من المسؤول الشرعي للجماعة أبو أنس الشامي ، وفي 8102004 بايع الزرقاوي بن لادن أمير تنظيم القاعدة وتحول اسم الجماعة بشكل نهائي الى ” تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ” .

    الهيكلية والتنظيم :

    تتميز هيكلية تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بالمرونة ، فلا يوجد ثبات بالمطلق ، ويجمع الزرقاوي جميع خيوط التنظيم بقبضة حديدية ، وقد بدأ الزرقاوي بعد اصابته ، واحتمالات قتله في المستقبل يفكر بشكل جدي بنقل قيادة التنظيم الى أحد االاعضاء العراقيين ، وهذا ما حدث مؤخرا ، اذ اعلن التنظيم عن اسم نائب امير التنظيم واسمه ابو عبد الرحمن العراقي ، والذي وجه بدوره رسالة الى أبي مصعب الزرقاوي بعنوان ” لبيك لبيك يا أبا مصعب ” ، وسلم قيادة التنظيم الى العراقيين سواء الاصيلين في التنظيم ام المنطوين فيما بعد للعمل تحت رايته وقيادته ، فابقى تشكيلاتهم كاملة كما هي للعمل تحت مظلة الجناح العسكري في التنظيم ، وأصبحت هيكلية التنظيم أكثر وضوحا من السابق ، حيث كان يكتنفها الغموض المطلق ، فالزرقاوي لا يزال أميرا للتنظيم وواجباته تبدأ بتوجيه اللجان المختلفة للتنظيم ، فهو الذي وضع استراتيجية المقاومة بشكل عام ، من خلال استهداف القوات الامريكية وقوات التحالف ، بالاضافة الى استهداف الشيعة والاكراد ، والبنية التحتية للدولة ، والمنشآت الحيوية في البلاد ، وبالتالي فانه يوجه معظم عمليات التنظيم الكبرى ، ويرسم استراتيجيته وسياسته ، ومن هنا فان كافة التشكيلات العسكرية تتبع نهجا محددا في اختيار الأهداف ، وفي معظم العمليات الصغيرة لا تحتاج المجاميع المنتشرة –من سرايا ومجموعات – في مختلف المناطق الى أمر مباشر وهي متروكة لاجتهادات القادة الميدانيين بالتنسيق مع قادة الكتائب وأمراء المناطق ، ويعتبر منصب نائب الأمير الذي تولاه أبو عبد الرحمن العراقي ، حدثا جديدا تطلبته ضرورات الواقع وحفاظا على سلامة التنظيم ، وهو يقوم بكل الاعمال مع الزرقاوي ، ويطلع على كل الامور المتعلقة بالتنظيم وسير عمله ، وقد اوكل اليه الزرقاوي مهمة الاتصال بالعراقيين بشكل مباشر ، وحافظ هو على الاتصال مع المقاتلين المتطوعين من خارج العراق ، ويقوم نائب الامير بالاشراف على احتياجات اللجان المنبثقة عن التنظيم وهي الجناح العسكري بقيادة الأمير أبو أسيد العراقي ، وهو المسؤول الأول عن الكتائب والسرايا والمجموعات ، العاملة والتنفيذية والمساندة ، التابعة للتنظيم ، وكذلك تم الاعلان عن تشكيل فيلق عمر في مواجهة فيلق بدر الشيعي ، وهناك عدة كتائب رئيسية وعلاقتها مع القيادة العليا للتنظيم ، مثل كتيبة الامن و الاستطلاع ، والتي تقوم بفحص دقيق للاعضاء الجدد المنتسبين للتنظيم ، وتقوم بجمع المعلومات عن الاشخاص والاماكن والاهداف المنتخبة للعمليات ، وطرق قوات الاحتلال ، والشركات المساندة لها من ناحية امنية او لوجستية ، وتوجهات القوات الامريكية ، وتكتيكاتها العسكرية ، والخطط المستقبلية لها وللحكومة ، وتعمل على تجنيد العملاء داخل قوات الحرس الوطني والشرطة وشركات المقاولات العاملة ، وشركات النقليات …. وغيرها من الوظائف الهامة الحساسة ، وتنشر جماعات الاستطلاع بين الناس ، وتقوم بتسجيل انطباعاتهم وتلمس حاجاتهم ، وتعمل على جمع المعلومات حول الاشخاص المستهدفين بعمليات التصفية والاغتيال ، سوءا كانوا من أعضاء الحكومة أو البعثات الدبلوماسية ، أو قادة الجيش والشرطة وغيرهم ، فضلا عن استكشاف المناطق الحساسة والحيوية ومعرفة نقاط الضعف للاستفادة منها ، وترفع جميع التقارير وبشكل دائم ومستمر الى قيادة التنظيم ، التي تقوم بدراستها والتشاور حولها وانتقاء الاهداف واوقات التنفيذ ، وتوجيه اوامر التنفيذ الى الجناح العسكري وتشكيلاته للتنفيذ والاعلام بالنتائج لكل عمل تقوم به تلك التشكيلات .
    وينبثق عن الجناح العسكري عدة كتائب وسرايا ومجموعات ، تسمى بمسميات مختلفة بعضها تحمل اسماء الخلفاء الراشدين مثل كتيبة أبو بكر الصديق ، وفيلق عمر ، وكتيبة ابن الخطاب ، وبعضها يحمل اسم بعض قادة القاعدة في جزيرة العرب مثل كتيبة عبدالعزيز المقرن ،وأبو أنس الشامي وأبو عزام العراقي ( عبدالله الجوري) واطلق على كتائب الاقتحام اسميهما ، اما الكتائب الاخرى فهي تحمل نفس الاسم الذي حملته قبل الانضمام الى تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين في العراق ، مثل كتيبة الرجال ، وتعتبر كتيبة الاستشهاديين أحد أهم الكتائب في تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وهي “كتيبة البراء بن مالك” وأميرها” أبو دجانة الانصاري ” ، وبداية التشكيلات العسكرية لاستخدام التنظيم العمليات التي ينفذها المنتمين لهذه الكتيبة – الاستشهاديين – بشكل واسع وكبير في ضرب الاهداف الحيوية ، وهي تضم العدد الأكبر من المتطوعين العرب ، وفي الفترة الاخيرة بدأ ينظم اليها اعضاءا من العراقيين ، ومن الجدير بالذكر أن الزرقاوي يولي اهمية خاصة في هذه الكتيبة لما لها من دور كبير في حرب الاستنزاف وقلة تكلفة العملية الواحدة منها من الناحية المعنوية والمادية ، ولما تحدثه من أثر كبير في تحطيم معنويات جنود الاحتلال والمتحالفين معهم ، ويشرف على هذه الكتيبة قادة ميدانيين مدربين وخبراء في عمليات تصنيع المتفجرات والتفخيخ والتوصيل ، وتفجير العبوات سلكيا ولاسلكيا عبر الاجهزة الخاصة – ريموت كنترول – وعبر الهواتف الخلوية ، وغيرها من الاساليب الاخرى .
    ومن الاساليب الفنية في استخدام المتفجرات صناعة العبوات الثابتة والتي تقوم مقام الالغام الارضية العمودية وجانبية الدفع لالحاق الضرر التام في الاليات المستهدفة ، وكذلك تستخدم المتفجرات في تجهيز عبوات السيارات والشاحنات سواء منها المفخخة لتفجيرها لاسلكيا او عبر ساعة توقيت ، او التي يفجرها التنظيم عبر المقاتلين – الاستشهاديين – ، وأيضا تستخدم المتفجرات في تصنيع الاحزمة الناسفة التي تحمل من قبل مقاتلين – استشهاديين – ، وتستخدم المفجرات في تطوير بعض انواع الصواريخ وقذائف الهاون – المورتر- ، وتعتمد كمية المتفجرات المستخدمة وطريقة تفجيرها واسلوبها على نوع الهدف المستهدف ضربه ، من ناحية الحجم ، والمنطقة الجغرافية ، وثباته او حركته ، وغير ذلك من عناصر تؤثر على الطريقة المناسبة لاحداث أكبر عدد من خسائر الارواح والعتاد، والخسائر المعنوية .
    ويضم التنظيم هيئة شرعية يرأسها ” الشيخ أبو حمزة البغدادي”، تقوم باجراء الدراسات والابحاث الللازمة للجماعة ، وتقوم بالرد على كل الشبهات الشرعية التي يحتاجها التنظيم في نشر معتقداته وافكاره وممارساته ، وأصدرت مؤخرا مجلة خاصة بالتنظيم ، اسمها “ذروة السنام ” ، ووظيفتها دراسة الاحكام الشرعية المتعلقة بالمسائل والقضايا التي تخدم معتقدات وافكار التنظيم ، وتقوم بالرد على الادعاءات والفتاوى التي تمس الجهاد والمقاومة ، وتغطي بعض أخبار الجهاد من ناحية القتال والمقاتلين والجبهات القتالية ، وقد أسس هذه الهيئة أبو أنس الشامي ، ولم يتم الاعلان بعد مقتله عن خليفة له في منصب رئيس الهيئة والمسؤول الشرعي ، لاسباب أمنية للحفاظ على حياته ، وينبثق عن هذه الهيئة الشرعية ، محكمة خاصة –المحكمة الشرعية – تقوم بالنظر في الدعاوى المتعلقة بمسألة التجسس داخل التنظيم ، وتصدر احكاما على المختطفين والاسرى تصل الى القتل في الغالب ، وأحكامها قطعية وغير قابلة للاستئناف .
    أما القسم الاعلامي للتنظيم فيتولى رئاسته أبو ميسرة العراقي ، وهو يقوم باصدار البيانات والنشرات والاشرطة المرئية والمسموعة ، وقد لوحظ تطورا كبيرا على عمل هذا القسم حيث قام باعداد عدد من الاشرطة تظهر قدرا من الاحترافية ، ويتولى القسم الجانب الدعائي للتنظيم ، ويعتبر مهما في تجنيد واستقطاب أعضاء جدد في صفوف الجماعة ، وأهم الوسائل التي يستخدمها في نشر كل ما يصدر عنه ، شبكة الانترنت التي يظهر التنظيم ايضا احترافية عالية في استخدامها من حيث صعوبة تتبع عناوين المشرفين على مواقعها ، وصعوبة تتبع مستخدميها ، وابتكار اساليب جديدة متطورة باستمرار لتخطي مسألة الحجب والرصد ، ويولي التنظيم اهمية كبيرة في عملية تدريب منتسبيه واعضائه والمتعاطفين معه على كيفية استخدام الشبكة الالكترونية ، وتعتبر مواقع التنظيمات الجهادية جميعا من أهم الوسائل بالتعريف بالتنظيمات وانشطتها ، واصداراتها المختلفة السياسية والعسكرية والشرعية .
    ويوجد بالتنظيم لجنة مالية تقوم بجمع الأموال اللازمة لتمويل الأنشطة المختلفة ، وهي تعتمد على شبكة من الناشطين المتخصصين في مجال جمع التبرعات من خلال التجار والمساجد ، والمنتشرين في جميع انحاء العالم ، وساهم مفهوم الزكاة والصدقات في الاسلام في سهولة تحصيل الأموال، باعتباره أحد أركان الاسلام ، ويجب على كل مسلم أدائها في مصارفها المحددة في آية الزكاة ، وأهمها واوسعها الجهاد ، وكذلك لأن من يدفع المال فكأنما قاتل بنفسه ، وبما أن تنظيم قاعدة الجهاد يتولى هذا الركن فانه يسهل جمع الاموال على هذا الاساس ، ولا يقتصر جمع الاموال داخل العراق ، بل هناك شبكة من الأنصار في مختلف أنحاء العالم العربي والاسلامي ، فعلى سبيل المثال يوجد في الاردن ثلاث قضايا منظورة لدى محكمة أمن الدولة لمجموعات كانت تقوم بجمع الاموال لصالح الزرقاوي وقد كان الزرقاوي يمسك بقبضة من حديد على الأموال في مرحلة مبكرة ، وكان الحصول عليها أثناء الفوضى أمرا يسيرا وبوسائل مختلفة ، ومن الجدير بالذكر أن المسألة المالية لا تشكل عبئا كبيرا على تنظيم قاعدة الجهاد في العراق ، فالطبيعة العقائدية الأيديولوجية الاستشهادية ، ومفهوم الجهاد الذي يعني بذل النفس والجهد والمال ، تجعل من العضو يعمل على تجهيز نفسه بنفسه في الغالب ، والمقاتلون لا يعيشون في حياة ترف وبذخ ، بل يعيشون حياة تقشف وزهد كبير، ومعظمهم يمضون أيامهم صائمين ويكتفون بالقليل من الطعام والشراب واللباس والمال ، ويعيشون في أماكن لا يتوفر فيها الا الحد الادنى من متطلبات الحياة ، ومعظمهم يتركون أولادهم وأهاليهم متوكلين على الله في حفظهم وتوليهم ، وهم يغادروا بلادهم كما ذكر الكثيرون منهم ، طلبا لمرضات الله عزوجل ، ولأن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة في حال تعرض أي بلد أسلامي لاحتلال كما حصل في أفغانستان والعراق ، ونادرا ما تجد في خطاب الجماعات الجهادية من بيانات ونشرات ما يحرض على جمع الأموال وخاصة الخطاب الرسمي للجماعة ، لأنهم يتجنبون الوقوع في شبهة أن قتالهم من أجل مطمع دنيوي ، بل يركزون على أن ما يقومون به من تضحية بالنفس والمال ، وقتال وتشرد وتعذيب في السجون ، انما هو لاقامة دين الله في الارض .
    وتعتبر الغنائم من المال والعتاد والسلاح والآليات وغير ذلك ، من الموارد الهامة في استمرار المقاومة .
    ويمكن القول أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ، يتمتع باستقلالية شبه تامة ، عن القاعدة بزعامة بن لادن والظواهري ، ويعتمدان على الدعم المعنوي المتبادل بسبب الاشتراك في الهدف والاستراتيجية ، وتتم الاتصالات بين الطرفين بواسطة الرسائل المشفرة في شبكة الانترنت ، أو بواسطة الرسائل المنقولة شفهيا بواسطة رسل متخصصين أعدوا لمثل هذه المهمات ، وكل رسول يسلم الرسالة الى نقطة معينة له دون معرفة التفاصيل ، ويستلم الرسالة من شخص لا يعرفه ابتداءا وطريقة التعارف تتم عبر وسائل متفق عليها واشارات ورموز ودلالات للاماكن والاشخاص والاوقات ، وهكذا دواليك حتى تصل الرسالة الى مقصدها الاخير ، وتستخدم هذه الطريقة في الامور الهامة والكبرى لطلب الرأي والمشورة والتنسيق .

    التجنيد – الأدوات والوسائل – :

    تشكل الظروف السياسية والاقتصادية عاملا مهما في عملية تجنيد الاعضاء في تنظيم قاعدة الجهاد في العراق ، فالسياسات العدائية للولايات المتحدة ، واحتلالها للعراق وغزوها لأفغانستان ، ودعمها لاسرائيل ، وللأنظمة الاستبدادية في العالم العربي والاسلامي ، ونهبها لخيرا ت البلاد العربية والاسلامية ، كلها تعتبر معاملات صناعة الكراهية والعداء تجاه الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها ، اضافة الى الموقف السلبي من قبل الأنظمة العربية والاسلامية في الدفاع عن شعوبها وقضاياهم ، ومن هنا فان الحجر الأساس في خطاب تنظيم القاعدة والحركات السلفية الجهادية ، يستند الى وجود حرب صليبية صهيونية على العالم الاسلامي ، يعمل على قطع الطريق على الاسلاميين من الوصول الى السلطة ، وقيام دولة اسلامية ، وأيمان راسخ بأن الولايات المتحدة تتعمد اذلال المسلمين ، وتعمل على القضاء على أي مشروع للنهضة ، وتسعى الى نهب ثروات العالم الاسلامي ، وتساعد الأنظمة الاستبدادية التبعية الفاشلة في سياساتها التنموية ، وتساعد الظروف الاقتصادية والاجتماعية كالفقر والبطالة والجهل ، على توفير بيئة مثالية لتجنيد الاعضاء في كل مجتمع عربي واسلامي ، التي يشكل فيه الشباب النسبة الاكبر من عدد السكان ، كما أن سؤال الهوية في اطار النظم القومية والاشتراكية والديمقراطية الفاشلة في الدول العربية والاسلامية ، وضغوطات العولمة والحداثة ، جعلت قطاعات واسعة من الشعوب العربية والاسلامية تندفع نحو الالتزام الديني ، بحيث أصبحت الظاهرة الاسلامية الدينية تولد اسلاما نشطا وحركات جهادية سلفية غاضبة ، كما أن بنى القرابة التي تستند الى العشائرية والقبلية وفرت مناخا خصبا لتجنيد الاعضاء لتنظيم القاعدة في العراق .

    ملاحظة :
    المقال باعلاه جزء من دراسة هامة تحمل عنوان ” استراتيجية القاعدة في العراق النشوء والارتقاء