في16 يونيو 2014، استضاف مركز بروكنجز الدوحة واحدة من سلسلة محاضرات المتحدثين المتميزين مع السفير الأمريكي ريتشارد ميرفي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية
في16 يونيو 2014، استضاف مركز بروكنجز الدوحة واحدة من سلسلة محاضرات المتحدثين المتميزين مع السفير الأمريكي ريتشارد ميرفي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا، والذي شغل أيضاً منصب سفير الولايات المتحدة إلى موريتانيا وسوريا والفلبين والمملكة العربية السعودية. ركز السفير ميرفي على كيفية تفاعل الولايات المتحدة سابقاً مع الشرق الأوسط، ولماذا تدخلت في العراق وأفغانستان، والمقاربة الجديدة في المنطقة التي طرحها الرئيس أوباما.
أدار الجلسة نائب مدير المركز إبراهيم شرقية وسط حضور بارز لشخصيات من الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والتجارية والإعلامية في قطر.
واستهلّ السفير ميرفي حديثه بالإقرار بأن السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تكون “مربكة”. وأكّد أن مصالح الولايات المتحدة في الماضي كانت مستقرة وسهلة التحديد، وقد ضمنت النفاذ إلى النفط وضمان أمن إسرائيل والمساعدة على إرساء الاستقرار في المنطقة الناشئة. ثم قدّم ميرفي لمحة موجزة عن مسيرته المهنية كدبلوماسي أمريكي والتي امتدت لـ 35 عاماً.
وأوضح ميرفي لدى سؤاله عن اعتبار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري العراق “شريكاً استراتيجيّاً” فيما يتردد الرئيس باراك أوباما بالتدخل مباشرةً في الأزمة الحالية في العراق، قال ميرفي إنّ هذا التصرف يشكّل مؤشراً إلى توجّه إدارة أوباما.
وذكّر بدفاع إدارة أوباما لمدة من الزمن عن ضرورة إمساك اللاعبين المحليين بزمام الأمور في حل مشاكل المنطقة. وقال ميرفي في هذا الإطار إن الولايات المتحدة ستستمر بالقيام بما في وسعها للمساعدة، لكن سيكون دورها ثانويّاً.
في ما يتعلق بالعراق، قال ميرفي إنه من الواضح أن أوباما استاء من النكسات التي حصلت في الشهر الماضي. وأكّد أنه، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة مسؤولة أمام العراق لأن غزوها “كشف المجتمع”، إلا أن الحل لا يكمن بين أيدي الأمريكان ولا العراقيين وحدهم، وذلك بسبب كافة الصراعات الدولية والإقليمية الداخلة في اللعبة. وأقر ميرفي أنه في العام 2011، كان يأمل أن تكون للسوريين فرصةٌ لتقرير مصيرهم، لكن سرعان ما تدخلت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. وأوضح ميرفي أن القوى الإقليمية يجب أن تتوصل إلى اتفاق حول المسائل الكبرى وتجد التنازلات التي “يمكن للجميع التعايش معها”. كما ركّز على أن مشاكل العراق لا يمكن أن تُحل بشراكة استراتيجية، أكانت بين الولايات المتحدة والعراق، أو بين أوباما والمالكي، لأن هناك مصالح كثيرة على المحك. ولاحظ ميرفي أن الخصومة بين الولايات المتحدة وروسيا “لا تقدّم أي مساعدة“.
أما بالنسبة إلى إيران، فقد وصف ميرفي قلة التواصل بين واشنطن وطهران بـ”المحرجة”، وشبهها بعداوة عائلية لم يعد أي من الطرفين يذكر سببها الأصلي. وأشار إلى أن نشأة الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” فرصة للولايات المتحدة وإيران للمشاركة في حوار حول هذا التهديد المشترك والعالمي.
لدى سؤال ميرفي عن موقف الولايات المتحدة من سوريا، أوضح أن استياء الأولى متراكم تاريخيّاً تجاه سوريا أكان من مقاومة محادثات السلام العربية-الإسرائيلية أم من السماح للمجاهدين بالهجوم على الجنود الأمريكيين في العراق.
وبالتوازي، لطالما كانت سوريا مدركة جدّاً وحاقدة من جراء تاريخها الطويل من التعرض للغزوات والتقسيم من قبل القوى الأجنبية.
وبمعرض الحديث عن عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية، أوضح ميرفي أن الولايات المتحدة اعتبرت لسنوات أن معايير الاتفاق “واضحة لكل الجهات المعنية” وأن الأمر كان متعلقاً فقط “بالعمل على تفاصيل” كيفية تحقيقه. وكشف ميرفي أنه خلال حرب الستة أيام، آلت واشنطن إلى خلاصة مفادها أنها مؤهلة أكثر من الأمم المتحدة أو أي بلد آخر للتوسط في حل النزاع بما أنها “مقبولة من الطرفين”. ومع أن ذلك كان صحيحاً، إلا أن الولايات المتحدة “لم تتمكن قط من إيجاد مفتاح” الحل. وأقر بأنه لعل الولايات المتحدة أخطأت في تهميش الأمم المتحدة والدول الأوروبية خلال العملية في ثمانينيات القرن الماضي.
ومن باب التقييم للوضع الراهن، أفاد ميرفي بأن الآراء في إسرائيل انقسمت حول حركة السياسة الإسرائيلية اليمينية، وأن موقف إسرائيل ازداد عناداً مع الوقت فيما بات الإسرائيليون أكثر “ارتياحاً” تجاه الاحتلال في السنوات الأخير. وأكد ميرفي أن إسرائيل لن تتراجع عن رغبتها بأن تكون دولة يهودية وديمقراطية، لكن العوامل الديموغرافية تتطلب منها إيجاد حل قريب. وأضاف أن بعض الإسرائيليين لا يزالون يتمسكون بأمل “مغادرة الفلسطينيين بكل بساطة”، إلا أن هذا الاحتمال غير واقعي البتة. وتأسّف ميرفي من أن الساسة الأمريكيين لا يستطيعون حتى الكلام عن الضفة الغربية على أنها محتلة، بيد أنه لم يتوانى عن التحدث عن أخطاء ارتكبها الفلسطينيون في استراتيجية التفاوض التي انتهجوها خلال السنوات الماضية.
ردّاً على أسئلة الحضور، قال ميرفي إن الولايات المتحدة اجتاحت أفغانستان والعراق معتقدةً أن ذلك قد يؤدي إلى تحول في المجتمعات ويساعد على إرساء الديمقراطية ويزيد الحريات. وأقرّ بأن هذه الرؤيا كانت مرفوضة من قبل أطراف عدة في المنطقة اعتبرت الولايات المتحدة تجسيداً لبريطانيا الإمبريالية أو فرنسا. ولاحظ ميرفي في هذا السياق أن الفائدة الرئيسية من هذه التدخلات هي إدراك الولايات المتحدة عدم قدرتها على تحويل السياسات على الرغم من مواردها. وتوقّع أن يستمر هذا الدرس في إنتاج سياسة خارجية أكثر تواضعاً مع أنه أقرّ أنه من المحبط مشاهدة أوباما يرفض اتخاذ أي إجراء ويتوقّع أن تمسك المنطقة بزمام أموره.
ورجّح ميرفي أن يقرر المفكرون في نهاية المطاف بأن الربيع العربي بدأ في بغداد سنة 2003، مضيفاً أن الفائدة البارزة الوحيدة منه هي أن الشعوب في المنطقة لن ترضى بعد اليوم بالعيش في ظل دكتاتوريات. وأقرّ ميرفي بأن الولايات المتحدة لعبت دوراً بارزاً في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أنه كان لا بد من أن تحصل هذه الانتفاضات بنهاية المطاف نظراً للعوامل المحلية، كالفساد وتضخم شريحة الشباب والمشاكل الاقتصادية.
تطرّق ميرفي أيضاً إلى مصر، موضحاً أن الولايات المتحدة أدركت أن وقت مبارك قد نفذ، مضيفاً أن الولايات المتحدة سعت للحفاظ على مصالحها وليس على قادة محددين. ومع أنه أقر بأن سياسة أوباما تجاه المنطقة كانت “غير متقنة” بعض الشيء، إلا أنه فسر أنه برفض الولايات المتحدة تصنيف ما حدث في الثالث من يوليو على أنه انقلاباً، كانت تحاول أن تحقق التوازن بين قيمها ومصالحها. وأشار ميرفي إلى أن السفيرة الأمريكية في مصر آنذاك، آن باترسون، لم تستحق المعاملة المهينة التي تلقتها من المصريين، سيما وأنها كانت تحاول أن تمثل موقف بلدها فقط. وتوقّع أن يتم التراجع مع الوقت عن الحظر المفروض على جماعة الإخوان المسلمين.
في ما يتعلق بنهج الولايات المتحدة تجاه ليبيا، أشار ميرفي أن البلاد يتقاذفها أمراء الحرب، وأن رفض السفيرة ديبورا جونز إدانة اللواء حفتر في حربه ضد المجموعات الإسلامية لمتشكل تعبيراً عن دعم الولايات المتحدة له أو لقضيته