ريحانة برس- حبيب سعداوي
يعتبر إقليم الفقيه بن صالح من المناطق المعروفة بنشاطها الفلاحي في المغرب، خاصة في زراعة الحبوب، والأعلاف، والخضروات والفواكه ، وتربية المواشي ، ومع ذلك، شهد الإقليم في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا في النشاط الفلاحي، وهو ما يثير مخاوف من انقراض الفلاحة كمصدر رئيسي للعيش بالنسبة لسكان المنطقة.
وتعد ندرة المياه من أبرز التحديات التي تواجه الفلاحة في الفقيه بن صالح ، حيث تسببت التغيرات المناخية والجفاف المتكرر في انخفاض منسوب المياه الجوفية وتراجع كميات المياه المتاحة للري. هذا الوضع دفع العديد من الفلاحين إلى التخلي عن أراضيهم بسبب عدم قدرتهم على توفير مياه كافية للزراعة.
وعلاوة على ندرة التساقطات ، فقد استفحلت ظاهرة الاحتكار الفلاحي ، والتي تتجلى في سيطرة فئة من الأثرياء أو الشركات الكبرى على النشاطات الزراعية، وامتلاكهم للأراضي الزراعية ووسائل الإنتاج، ناهيك عن الانفراد باستغلال المياه الجوفية من طرف هؤلاء ؛ مما أثر سلبا على صغار الفلاحين وأدى إلى تركيز الثروة الفلاحية في أيدي قلة.
وترتب عن هذا الاحتكار مجموعة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الواضحة ، منها تدمير الفلاحة التقليدية ، فقد وجد صغار الفلاحين صعوبة في منافسة المحتكرين دون توفير مياه الري ، هذه الطبقة المحتكرة للفلاحة تستخدم تقنيات متطورة وتستفيد من إمكانيات مادية عالية، مما أدى بالفلاح الصغير إلى خروجه من السوق ، وأصبح عرضة هو وارضه وأولاده واليد العاملة التي كانت تعيش معه للتشرد والفقر .
وقد أدى هذا الاحتكار الفلاحي بإقليم الفقيه بن صالح إلى ارتفاع الأسعار ، وخاصة الخضروات و الفواكه واللحوم بجميع انواعها ، حيث أصبحت هذه المجموعة تتحكم في الأسعار بما يتناسب مع مصالحها ، وذلك بتصدير المنتوجات الى الخارج ، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية على المستهلكين بالمغرب عامة واقليم لاربعا خاصة .
ومن بين العواقب الوخيمة لهذا الاحتكار الفلاحي العلني ؛ انخفاض جودة الإنتاج حيث يركز بما يسمى بالمستثمرون غالبا على الربح السريع مما قد يؤدي إلى الاعتماد على الأساليب المكثفة التي قد تضر بجودة المنتجات الزراعية وتؤثر سلبا على البيئة. ولعل الغبار ” العجاج” الذي أصبح يخيم على الإقليم والحرارة المفرطة وانتشار الأمراض الغير المألوفة لخير دليل.
وقد ساهم المحتكرون بشكل واضح في التهميش الاجتماعي والاقتصادي لصغار الفلاحين، ولليد العاملة التي تعيش على الفلاحة ؛ فلقد وجد الفلاحون الصغار أنفسهم في وضعية هشة، حيث يفقدون أراضيهم وأحيانا يضطرون للعمل كأجراء او بيع أراضيهم بأبخس ثمن لهؤلاء ، مما يقلل من فرص النمو الاقتصادي المحلي ويزيد من حدة الفقر في المناطق القروية.
وبعدما أن كان إقليم الفقيه بن صالح يزخر بتنوع زراعي نشيط وكبير، فقد تراجع هذا التنوع بسبب بما يسمى بالمستثمرين الذين يركزون عادة على زراعة أنواع محددة من المحاصيل ذات العائد المادي المرتفع ” البرتقال والطماطم للتصدير ” ، مما يؤدي إلى تراجع التنوع الزراعي وزيادة المخاطر المتعلقة بالأمن الغذائي.
وكما ساهم المحتكرون في ظاهرة خطيرة، حيث ٱضطر العديد من العائلات في إقليم الفقيه بن صالح إلى الهجرة نحو المدن الكبرى بحثا عن فرص عمل أفضل، وذلك بسبب تدهور العائد الفلاحي وتراجع الجدوى الاقتصادية للعمل الفلاحي. هذه الهجرة أدت إلى تناقص اليد العاملة في المجال الفلاحي وتراجع ٱهتمام الأجيال الجديدة بالعمل في الزراعة.
وللحكومة يد في المآمرة، فقد أدى ارتفاع تكاليف الإنتاج على الفلاح الصغير، خاصة أسعار البذور والأسمدة والأعلاف، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والطاقة. هذه العوامل جعلت من الصعب على الفلاحين تحقيق أرباح كافية، مما دفع الكثيرين منهم للتخلي عن الفلاحة وتربية المواشي ” والشانطيو راه باين ، غلاء اللحوم الحمراء والبيضاء”… زيادة على ٱنعدام الدعم الحكومي، بحيث يشعر العديد من الفلاحين “المحݣورين ” في المنطقة بأن الدعم الحكومي لا يلبي إلا احتياجات الطبقة المحتكرة للفلاحة… فبالرغم من وجود بعض المبادرات، إلا أنها تظل غير كافية للتغلب على التحديات الكبرى التي يواجهها القطاع الفلاحي الصغير ” الشعير لذر الرماد في العيون”.
والطامة الكبرى التي حلت في المرتبة الاولى قبل المحتكرين للمجال الفلاحي والمياه الجوفية بإقليم الفقيه بن صالح، هي استغلال مياه الري في غسل الفوسفاط، وخاصة في منطقة تعاني من ندرة المياه ، مما ترتب عليه عدة عواقب سلبية أثرت على البيئة، الاقتصاد، والمجتمع… منها ندرة المياه وتهديد الفلاحة، فقد ادى تحويل مياه الري إلى عملية غسل الفوسفاط إلى تقليص الكميات المتاحة للري، مما أثر على المحاصيل الزراعية وعرض الفلاحة المحلية للخطر “وهي في قسم الإنعاش الآن “.
هذه السرقة في مياه الري قتلت استدامة النشاط الزراعي بإقليم الفقيه بن صالح الذي يعتمد على الفلاحة كمصدر رئيسي للدخل، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وأثر على الأمن الغذائي ، وتدهور البيئة وزيادة التلوث ؛ لأن عمليات غسل الفوسفاط تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وتترك خلفها مياه ملوثة تحتوي على مواد كيميائية وملوثات صادرة عن الفوسفاط، مثل الفلوريدات وبعض المعادن الثقيلة التي قد تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية، مما يضر بالبيئة ويؤثر على جودة المياه المستخدمة للشرب والزراعة، وله أيضا تأثير واضح على التنوع البيولوجي ، فقد يتسبب التلوث الناتج عن مياه غسل الفوسفاط في تدمير النظام البيئي المحلي، حيث يؤدي التلوث الكيميائي إلى موت الكائنات الحية المائية وتدهور الحياة البرية، ما يهدد التنوع البيولوجي في المنطقة.
وقد ساهم المحتكرون والفوسفاط معا في تفاقم التوترات الاجتماعية الصامتة ، وجعلها قنبلة موقوتة تكاد تنفجر في أي لحظة، حيث يشعر سكان المناطق المتضررة بالغضب والإحباط بسبب تأثير استنزاف المياه والمتف**جرات من أجل عمليات الفوسفاط على حياتهم ومعيشتهم، فقد يؤدي هذا إلى توترات اجتماعية بين السكان والشركة المستغلة للمنجم، وطالب السكان بمزيد من الحقوق والمنافع من استغلال الموارد المحلية لكن لا صوت لمن تنادي!!!!!…يتبع مع الحلول الممكنة؟!!!
إرسال تعليق