شهدت قاعة فلسطين الكبرى ببلدية الراشدية يوم السبت 27 شتنبر 2014 وقائع ندوة نظمتها الرابطة المغربية لحقوق الإنسان بمشاركة نخبة من الأساتذة في موضوع :
شهدت قاعة فلسطين الكبرى ببلدية الراشدية يوم السبت 27 شتنبر 2014 وقائع ندوة نظمتها الرابطة المغربية لحقوق الإنسان بمشاركة نخبة من الأساتذة في موضوع : إشكالية التعذيب في السجون بين محبطات الواقع وشروط التجاوز.
انطلقت الندوة بالشق البروتوكولي للافتتاح، وقد تضمن كلمة رئيس الجمعية التي أطرت الندوة أتبعها بتعريف مختصر للرابطة المغربية لحقوق الإنسان وأهدافها والأسباب التي جعلتها تختار هذا الموضوع بالذات في هاته الظرفية التي يعيشها المغرب وفي ظل تنوع وتعدد التقارير الدولية والوطنية التي صدرت مؤخرا حول التراجعات التي يعرفها المغرب في المجال الحقوقي والتي تهدد سيرورة الإصلاح المعقدة التي يسير فيها في ظل التزامه باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
وبعد انتهاء الشق البروتوكولي، انطلقت عملية العرض السمعي البصري عبر الشاشة لشهادات وصور عبر الفيديو دشنها المعتقل العقدي السلفي السابق ابريك عبد العلي الذي عرض معطيات التعذيب الذي مورس عليه عند اعتقاله وفي مراحل أخرى من هذا الاعتقال وفقدانه لأفراد من عائلته وإصابة بعضهم بعاهة مستديمة من جراء ما مورس عليهم، غير أن الشهادة لم تكتمل بسبب أعطاب تقنية وقعت في الجهاز مما جعل الندوة تستمر في شقها النظري وتقتصر على عرض صور لعدد من ضحايا التعذيب تظهر آثاره وممارسته.
ابتدأ العرض بمداخلة الأستاذ الحامدي سيدي محمد المحامي بهيئة مكناس وفاعل حقوقي الذي بدأ مداخلته بالسياق السياسي والحقوقي الذي تعيشه البلاد والموسوم في رأيه بانطلاق مسيرة الإصلاح بواسطة عدد من الإجراءات اتخذها المغرب بدءا بدسترة التزامه بتكريس واحترام حقوق الإنسان وإنشائه مؤسسات في هذا المجال ومرورا بعدد من الإجراءات التي عددها تسير في هذا الاتجاه ميزت في نظره المغرب عن محيطه الإفريقي والعربي المجاور.
مداخلة الأستاذ أحمد راكز المحامي بهيئة الرباط أبرزت في بدايتها الأسباب التي جعلت موضوع التعذيب في السجون موضوع هذه الندوة وأبرزها :
– التراجعات التي بدأ يعرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان في السنتين الأخيرتين وتضرب مصداقية الالتزام المغربي باحترام وتكريس حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وتجلى ذلك في التضييق على الحريات الأساسية بالخصوص في ميدان تنظيم الجمعيات، وحرية الإعلام والنشر المسؤول وأيضا الانتهاكات الجسيمة التي تعرفها بعض السجون والتي تمس الحق في السلامة الجسدية والحق في العيش الكريم التي كانت سببا في دخول عدد من السجناء في إضراب مفتوح عن الطعام وبمختلف السجون انتهت بوفيات وحالات انتحار، وأيضا الحق في الاحتجاج السلمي وتلفيق تهم الحق العام لعدد من المعتقلين بسبب نضالهم الحركي.
-التقارير الدولية العديدة التي صدرت وأشارت إلى وجود ظاهرة التعذيب بقوة مؤكدة استمرار الحجز القسري والتعذيب من خلال شهادات موثقة أوردتها تلك المنظمات وبالخصوص تقرير حكومي رسمي أمريكي، تقرير أخير صادر عن أمريكان رايتسووتش الأمريكية وتقرير منظمة العفو الدولية ومنظمات أروبية إضافة إلى تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
-الشكايات العديدة التي وردت على الرابطة المغربية لحقوق الإنسان من طرف عدد من السجناء العقديين السلفيين والحق العام وعائلات المعتقلين من مختلف السجون المغربية
-مصادقة المغرب مؤخرا بعد تحفظ دام سنوات على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتي تطرح على الدول الموقعة عليه تشريع آليات مراقبة وتطبيق تهيكل التزاماته.
تطرق المحاضر بعد ذلك بتفصيل إلى الوثائق المرجعية التي يجب اعتمادها في مناهضة التعذيب وممارسة العقاب في السجون والتي ركزها في ثلاث أو أربع مراجع تضاف إلى المرجع الأساس العهد الدولي لحقوق الأنسان وهي :
1- القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء وملحقاتها وأساسا مدونة قواعد السلوك في إنفاذ القوانين التي أقرتها الأمم المتحدة في دجنبر 1979 وجوهرها :
” لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية الحاطة بالكرامة أو أن يحرض عليه وأن يتغاضى عنه كما لا يجب أن يتدرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية.
2- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات القاسية أو اللاإنسانية والمهينة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 1987.
3- البروتوكول الاختياري الملحق بها والموقع أخيرا من طرف المغرب مؤخرا.
بعد ذلك عرض المحاضر مراحل من مسيرة النضال الحقوقي للجمعيات الحقوقية المغربية في إطار اللجنة الوطنية للترافع من أجل رفع التحفظ المغربي عن البروتوكول الاختياري والتوصيات التي أوصت بها خلال مسيرتها قبل أن ينهي مداخلتهبذكر عدد من الإجراءات التي يوصي بها لتعزيز مناهضة التعذيب في السجون ووضع آليات المراقبة مما سيأتي ذكره في توصيات الندوة.
كان تدخل الأستاذ الجوهري محمد المحامي بهيئة مكناس قانونيا وموجزا ركز فيه على كيفية أجرأة بنود اتفاقية المناهضة من خلال الملائمة مؤكدا على انتقادات ومقترحات بصدد القانون رقم 23-98 (قانون السجون) ومرسومه التطبيقي ثم المسطرة الجنائية ليصل إلى استخلاص ضرورة تفعيل ما جاء به دستور 2011 من مقتضيات تهم عدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية وعدم المعاملة اللاإنسانية وتجريم ممارسة التعذيب وإدخال تعديل جذري على قانون السجون ارتكازا على مبدأ الملائمة.
كانت آخر الكلمات مداخلة الأستاذ ابراهيم طاسين الكاتب العام لجبهة الفوم دي ساريو الصحراوية الذي مزج بين السياسي والحقوقي عبر ضرورة سد المنافذ التي يتدخل منها المتربصون من خلال بوابة انتهاكات حقوق الإنسان معددا بتفصيل الانتهاكات التي يتعرض لها الصحراويون المغاربة في تندوف في حقوقهم الفردية والجماعية بالمس بسلامتهم الجسدية وهويتهم والترحيل القسري لهم ذاكرا أن أكثر من 6000 آلاف هجروا إلى كوبا قسرا إضافة إلى مناطق أخرى من الدول التي تعترف بالبوليساريو والصديقة للجزائر ثم مدينا صمت الدول التي تدعي الوصاية على حقوق الإنسان ولا تتحرك إلا ضد المغرب كائلة بمكيالين ولم يفته أن يذكر مجهودات جمعيته داخليا وخارجيا وشراكاتها وطنيا ودوليا والنتائج التي أسفرت عنها.
وقد انتهت الندوة حوالي الساعة الثامنة مساءا بعد أن أوصت بتقديم توصياتها إلى الجهات المعنية.
توصيات
في نهاية الندوة أصدرت التوصيات التالية مؤكدة على ضرورة تعميمها وتبليغها إلى المسؤولين :
1) تفعيل المواد الدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان وفقا لديباجة الدستور كما هي متعارف عليها دوليا وذلك بإعمال مبدأ ملائمة القوانين والأعرف الوطنية مع هذه الديباجة سواء ما تعلق فيها من بالجانب الجنائي العقابي والمسطرة والسجن وكل ما يرتبط بمجال احترام حقوق الإنسان منذ لحظة الاعتقال الأول إلى حين نهايته. وفي هذا الإطار يتأتى تعديل المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وقانون السجن باستعجال ومصداقية.
2) وضع آليات المراقبة القضائية والدفاعية في تطبيق القوانين بعد التعديل أو التشريع في شكل لجن قارة وتمكينها من آليات الأجرأة والتحرك المباشر والسريع بناءا على المقتضيات العامة والتفعيلية والمهيكلة التي حددت في :
– القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجين.
– المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب.
– البروتوكول الاختياري الملحق بالمعاهدة الدولية لمناهضة
التعذيب.
– مدونة قواعد السلوك المتعلقة بالموظفين المكلفين بإنقاذ القوانين.
3) تفعيل مقتضيات وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة كما وردت في تقاريرها بخصوص التعذيب ومراكز الاحتجاز وبالخصوص تقريريها النهائي الذي ينص على ضرورة إحداث آلية وطنية لزيارة مراكز الاحتجاز لحماية الأشخاص المحرومين من الحرية، من الانتهاكات والتجاوزات.
4) إعمال المبدأ الحقوقي القاضي بعدم الافلات من العقاب وذلك بتأكيد تجريم التعذيب وإقامة الجزاء على مرتكبيه وتفعيله كعنصر ردع فعال.
5) هيكلة المراقبة القضائية المتخصصة في مجال السهر على احترام تنفيذ مقتضيات الجزاء والسير العادي في السجون.
6) تجديد الأطر العاملة في القطاع السجني بما يتلائم مع العقلية الحقوقية وتجاوز المنظور الجزائي الردعي التقليدي.
7) التكوين المستمر تأكيدا على الاتفاقيات لمذكورة الخاصة بجمال البحث والاعتقال أثناء مواصلة الحرمان من الحرية للأشخاص المتابعين والمدانين لمختلف الأطر العاملة في القطاع بمستوياتها الدنيا وتشريع تحفيزات مالية وإدارية لهذه الأطر قصد دفعهم نحو التسابق في إنفاذ القوانين بارتباط مع حقوق الإنسان.
8) تفعيل جاد للتعاون مع أطراف المجتمع المدني المهتمة بقطاعات الاعتقال والاحتجاز.
وهذه التوصيات يحب أن تنضاف إلى توصيات المجتمع المدني وعلى الدولة المغربية أن تتحمل مسؤولياتها فيما يخص العمل بها اكتسابا للخطاب الرسمي الإصلاحي مصداقيته.