ألمانيا تسمح بشريعة إسلامية على أسس قانونية ألمانية

0

ينتقد رجل القانون والخبير في العلوم الإسلامية البروفيسور الألماني ماتياس روهه تصريحات بعض السياسيين الألمان المحافظين القائلة بأن المعايير القانونية

الرباط – ريحانة برس

ما يلي: في حوار مع خبير القانون الألماني والباحث في العلوم الإسلامية ماتياس روهه

ينتقد رجل القانون والخبير في العلوم الإسلامية البروفيسور الألماني ماتياس روهه تصريحات بعض السياسيين الألمان المحافظين القائلة بأن المعايير القانونية السارية على المسلمين في ألمانيا يجب أن تكون مستمدة حصرياً من القيم الألمانية، مؤكداً أن “ألمانيا تتيح تطبيق الشريعة الإسلامية في ألمانيا على أسس القوانين الألمانية”. لكنه يؤكد في حواره التالي مع إرين كوفرجين أنه لا يجوز قانونياً في ألمانيا حصول أي شخص على عقاب مخفَّف أو مشدَّد على خلفية انتمائه للإسلام، منتقدا ما تروج له بعض الصحف الألمانية ذات الميول اليمينية بهذا الخصوص.

ثارت موجة غضب كبيرة مؤخراً في ألمانيا على خلفية ما وُصِفَ بـ “تخفيف حدة الحكم القضائي لصالح الإسلام”  في المحاكم الألمانية بحسب ادعاءات صحيفة بيلد تسايتونغ الألمانية. ويعود سبب هذا الغضب إلى حكم أصدرته المحكمة الإقليمية في مدينة فيسبادن (في الـ24 من شهر آذار/ مارس 2014 بالسجن مدى الحياة على شاب ألماني مسلم من أصل أفغاني، عمره 23 عامًا، لأنه قتل صديقته السابقة التي كانت حاملاً – مع إمكانية الإفراج عنه بعد قضائه مدة 15عامًا في السجن). إذ ذكر النقّاد أنَّ الشاب الألماني من أصل أفغاني، الذي كان قد قتل صديقته السابقة الحامل طعناً، قد حصل على نوع من تخفيف عقوبته الجنائية لأسباب ثقافية. فكيف تنظرون إلى هذا الحكم الصادر عن المحكمة؟

 ماتياس روهه: لقد جاء عرض الحكم في وسائل الإعلام مختصرًا للغاية، وبالتالي لم يسمح بتقييمه بشكل واضح. وفي الوضع القانوني الألماني ينطبق عام 2004 أكَّدت المحكمة الاتحادية على مبدأ يستحق الترحيب مفاده: في حالات الحكم على عمل يعاقب عليه القانون لا تسري إلاَّ معايير القانون الألماني. وهذا أمر ضروري أيضًا لأنَّ القانون الجنائي يضمن من ناحية حدّاً أدنى، من معايير السلوك المشتركة، لا يمكن الاستغناء عنه من أجل الحفاظ على السِلْم القانوني. ومن ناحية أخرى، فإنَّ المبدأ الأساسي في القانون الدستوري والجنائي ينص على معاقبة الجاني بحسب حجم جرمه.

وبالتالي فإنَّ نتيجة الجريمة ليست الأمر الحاسم في تحديد الحكم وحدها. على سبيل المثال هناك فرق كبير بين شخص تسبب بقتل شخص آخر عن طريق خطأ طفيف وبين شخص آخر ارتكب جريمة قتل عمد، على الرغم من أنَّ النتيجة واحدة. ولكن مع ذلك، لا يجوز للجاني الانغلاق على معايير بيئته، ولهذا السبب لا يوجد “تخفيف من حدة العقوبة” للجناة الذين يقترفون جرمهم عن قناعة مثل إرهابيي جماعة الجيش الأحمر(RAF)، وكذلك يكون تخفيف حدة العقوبة قليلاً للدوافع الثقافية أو الدينية، التي تتناقض مع هذه المعايير. وبناءً على ذلك فإنَّ ما يطلق عليها اسم “جرائم الشرف” تندرج من الناحية الأخلاقية في أدنى المستويات ولا تتم معاقبة مقترفها بسبب القتل “فقط”، بل بسبب القتل مع سبق الإصرار والترصّد. وهذا يتطابق مع الحكم المذكور أعلاه الصادر في عام 2004 عن المحكمة الاتحادية الألمانية.

المتَّهم الألماني-الأفغاني عيسى س. أمام المحكمة – رفض القاضي طلب المدّعي العام والمدّعي بالحق المدني اعتبار قضية عيسى س. جريمة قتل بجرم كبير للغاية. كان من الممكن أن يحُول اعتبار هذه الجريمة جريمة جسيمة دون الإفراج المبكّر عن الجاني عيسى س. بعد قضائه 15 عامًا في السجن.

ماذا يعني هذا بالنسبة للقضية التي تداولتها المحكمة في مدينة فيسبادن؟

ماتياس روهه: لقد تعلق الأمر هناك بالسؤال عما إذا تم ارتكاب هذه الجريمة التي تم اعتبارها كجريمة قتل بجرم كبير للغاية، أي أكثر من كونها “حالة طبيعية”. بحسب وصف هذه الواقعة فإنَّ الأمر لم يتعلق بما يعرف باسم “جريمة شرف”، تم فيها قتل واحدة من أفراد الأسرة الإناث بسبب قرارات وأفعال لم تكن ترضي الأسرة، بل إنَّ الجاني أقدم هنا على قتل صديقته وعلى ما يبدو بسبب خوفه من أن تعلم أسرته بعلاقته معها وبالتالي تضغط عليه أو حتى تنبذه ومن المحتمل أن يكون هذا هو الخوف من فقدان الترابط الاجتماعي الأساسي الذي كثيرًا ما يرد لدى الأفغان.

وهنا أذكر قضية الشابة الأفغانية في مدينة هامبورغ، التي وعلى الرغم من سوء المعاملة الشديد من قِبَل عائلتها لها إلا أنها كثيرًا ما كانت تعود إلى أسرتها وقد تم قتلها، أثناء “محاولة مصالحة”، من قبل شقيقها المتورّط قبل ذلك في قضايا جنائية. ومثل هذه الأمور من الممكن أن تؤثر على حجم الجريمة، مثلما أشار مؤخرًا أيضًا القاضي الذي ترأس الجلسة في المحكمة الاتحادية، الدكتور فيشر. ومن الممكن هنا أخذ الجوانب الفردية الناتجة عن خلفيات ثقافية بعين الاعتبار، ولكن ليس الثقافة أو الدين بشكل عام.

 لا يتَّضح من تقارير وسائل الإعلام ما هو المسار الذي اختارته المحكمة من كلا المسارين. وبالمناسبة، إنَّ الحديث عن تخفيف حدة العقوبة ليس في محله، وذلك لأنَّ الأمر لم يكن يتعلق هنا بتخفيف حدة العقوبة، بل بالتحقق مما إذا كان حجم الجرم كبيرًا للغاية ومن شأنه لذلك استبعاد الإفراج عن الجاني بعد 15 عامًا. وبالإضافة إلى ذلك، إنَّ الانتماء إلى الإسلام لا يمكن في رأيي أن يلعب هنا أي دور، ذلك لأنَّ الإسلام لا يمكن بحسب الآراء المعروفة لدي أن يوافق على ارتكاب مثل هذا الفعل.

نسمع مرارًا وتكرارًا ضمن السياق الإسلامي حول أحكام تثير من الوهلة الأولى الحيرة والاضطراب، أنَّ الشريعة تفرغ النظام القانوني الألماني من محتواه، أو أنَّ هناك تساهلاً مع المجرمين المسلمين. على سبيل المثال لقد قال الخبير في شؤون حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الداخلية، فولفغانغ بوسباخ في صحيفة بيلد تسايتونغ: “يجب أن تكون المعايير القانونية لدينا مستمدة فقط من القانون والقيم الألمانية، وليس من الشريعة الإسلامية”. فكيف تقيّمون هذه التصريحات كرجل قانون وكخبير في شؤون الشريعة الإسلامية؟

ماتياس روهه: هذه تصريحات سياسية تهدف الى كبت المخاوف المنتشرة على نطاق واسع، ولكنها في الواقع تؤدِّي أيضًا وبشكل غير مباشر إلى إذكاء هذه المخاوف، التي تعتبر في هذه المسألة بسيطة للغاية. والصحيح أنَّ القانون الألماني يسري وحده في ألمانيا. ومع ذلك فإنَّ القانون الألماني بالذات يضمن حرية دينية واسعة المجال، تسري أيضًا وبطبيعة الحال على تعاليم الشريعة الإسلامية (مثل الصلاة والصيام، … إلخ).

وبالإضافة إلى ذلك ينص القانون الألماني في القضايا الدولية – مثلاً في قضايا قانون الأسرة أو في قانون العقود – على إمكانية تطبيق القوانين واللوائح الأجنبية، بما في ذلك أيضًا القوانين واللوائح التي تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية. وضمن هذا السياق توجد بطبيعة الحال حدود لتطبيق مثل هذه القوانين، وذلك على سبيل المثال عندما تكون النتائج غير متوافقة مع مفاهيمنا القانونية الأساسية.

تعامل واضح من قبل المحكمة الاتحادية الألمانية مع ما يعرف باسم “جرائم الشرف”. يقول الأستاذ ماتياس روهه: “لا يجوز حصول شخص ما بسبب انتمائه الديني أو الثقافي على عقاب مخفَّف أو مشدَّد”. ويضيف أنَّ المحكمة الاتحادية الألمانية حدّدت هذا المبدأ بكلّ وضوح في قرارها الصادر عام 2004.

وبالمناسبة، يستطيع المسلمون في ألمانيا تطبيق مفاهيمهم ببساطة على أساس القانون الألماني، حيث يجوز لهم تحديد حقوقهم، على سبيل المثال في قانون العقود وفي أجزاء من قانون الزواج. وأيضاً على سبيل المثال فقد أقرّت المحكمة الاتحادية الألمانية تحديد مهر للزوجة المستقبلية في عقد الزواج وفقًا للقانون الألماني. وكذلك يسمح القانون الألماني بإنشاء صناديق الاستثمار الإسلامية أو ما شابه ذلك. وفي عام 2005 أصدرت ولاية ساكسونيا-أنهالت سندات قروض إسلامية عن طريق شركة قابضة هولندية من أجل توفير رأس المال. لذلك من المهم دراسة كلّ حالة عن كثب والتفريق، بدلاً من الافتتان بتقييمات ذات طابع تعميمي ومحتويات كاذبة، تضر أكثر مما تنفع.

ادعت صحيفة بيلد تسايتونغ في الأيَّام التي تلت الحكم الصادر عن المحكمة في مدينة فيسبادن أنَّ ما زعمته من تحفيف حدة العقوبة لصالح الإسلام لا يعدّ حالة فردية. وزعمت أنَّ المسلمين يحصلون في حالات أخرى مشابهة جدًا على أحكام مخفَّفة. ولكن مع ذلك فقد توصّلت دراسة أجراها معهد ماكس بلانك للقانون الجنائي الأجنبي والدولي في فرايبورغ إلى نتيجة مختلفة تمام الاختلاف. فما رأيك في هذا الصدد؟

ماتياس روهه: تعتمد مثل هذه التقارير الإخبارية على شائعات، لا يمكن إثباتها بحقائق – على أية حال منذ القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية في عام 2004. وقبل هذا القرار منحت في الواقع المحاكم الابتدائية “تخفيف لبعض العقوبات على أساس ثقافي” في حالات فردية، وحتى لأشخاص إيطاليين أو بولنديين، لأنَّهم “سريعو الغضب”. وهذا يدل على سُخف مثل هذه الاعتبارات.

وعلى النقيض من بعض ممثِّلي وسائل الإعلام (وليس جميعهم) أو السياسيين، فإنَّ المحاكم اعتادت على تفسير القانون بموضوعية وعقلانية والحكم في كلّ حالة على حدة. ولهذا السبب فأنا سعيد أيضًا لأنَّ القرار بيد المحاكم وليس بيد وسائل الإعلام والسياسيين.

حاوره: إرين كوفرجين

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014

يعتبر الأستاذ الدكتور ماتياس روهه رجل قانون وخبيرًا في العلوم الإسلامية. يعمل في تدريس القانون المدني والقانون الدولي الخاص والقانون المقارن في كلية القانون في جامعة إيرلانغن-نورمبرغ. صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان “الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر”، عن دار نشر س. هـ. بيك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.