علي عبد الرحيم أبو مريميُعدُّ كتاب “أصحاب الحق: دراسة في نقد الجماعات الإسلامية”، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في يونيو/حزيران 2014، من الدراسات
علي عبد الرحيم أبو مريم
يُعدُّ كتاب “أصحاب الحق: دراسة في نقد الجماعات الإسلامية”، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في يونيو/حزيران 2014، من الدراسات النقدية المتميزة في حقل الحركات والجماعات الإسلامية؛ إذ يتناول موضوعًا لا يخلو من الجدة في الطرح، وزاوية الرؤية والمقاربة المنهجية؛ فهو يتجاوز الدراسات التقليدية التي تركز على الفعل والممارسة السياسية للحركات الإسلامية في دواليب السلطة أو خارجها، ليبحث في إشكال عملها الشمولي (تنظيميًا وفكريًا وعقديًّا ونفسيًا..) من خلال الرؤية الاقتصادية لمفهوم الاحتكار، أو في إشكال عصبية أفرادها من خلال الرؤية السيكولوجية لمفهوم الولاء، أو في إشكال دوغمائيتها من خلال الرؤية الفلسفية لمفهوم النسبية.
وهنا، تكمن الإضافة النوعية للكتاب (أطروحةً ومنهجًا)؛ إذ استخدم الباحث علي عبد الرحيم أبو مريم، ثلاثة مداخل من علوم مختلفة في نقد الجماعات الإسلامية، المدخل الأول هو المفاهيم الاقتصادية في أهمية المنافسة، والسوق المفتوح، ومنع الاحتكار، وتحجيم السوق، والتصحيح الذاتي، ومن ثم عقد مقارنة بين هذه المفاهيم وأعمال الجماعات الإسلامية في المجتمع المسلم من حيث رغبتها في تغيير المجتمعات حسب رؤية أحادية وانعكاس ذلك على حيوية المجتمع وقدرته على تصحيح مساره. أما المدخل الثاني فهو المفاهيم السيكولوجية في تَكَوُّن الجماعات الإنسانية، ودوافعها النفسانية، وطبيعة العلاقات التي تربط أفراد الجماعة بعضهم ببعض من انتماء وولاء، وكيفية تَشَكُّل تلك العلاقات، ومعايير تحديد العدو من الصديق، والنوازع النفسانية لتقسيم المحيط الإنساني إلى (ذات) و(آخر)، ومناقشة مدى تحقق هذه المفاهيم في واقع الجماعات الإسلامية، وأثر ذلك على المجتمع المسلم. ويرتبط المدخل الثالث بالمفاهيم الفلسفية في نسبية الأفكار الإنسانية، واستحالة إدراك الحق المطلق سواء في المحسوسات، أو المعنويات، أو غير ذلك من مدركات العقل الإنساني.
وفي ضوء هذه المداخل النظرية الثلاثة، قسَّم الباحث الكتاب إلى أربعة فصول، فكان الفصل الأول بعنوان “ديكتاتورية التنظيم: إشكالات فكر الإصلاح الشمولي عند الجماعات الإسلامية”، وتناول فيه المؤلف قضايا متعددة؛ مبرزًا الأشكال الممكنة لديكتاتورية التنظيم من خلال النظر في نماذج واقعية من التاريخ المعاصر، سواء على مستوى الفكرة (سيطرة الفكر الوهابي على المجتمع الخليجي، وتحديدًا السعودية)، أو على مستوى المجتمع (حركة فتح الله غولن التركية)، أو على مستوى السلطة (الثورة الإسلامية في إيران، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والحركة الإسلامية في السودان). وهنا يُبَيِّن الباحث أن السلوك الاحتكاري، في سعي جماعة إسلامية إلى السيطرة على مفاصل المجتمع لأجل تغييره بمقتضى فكرتها عن المجتمع المسلم المثالي، له نفس الأدواء التي توجد في السلوك الاحتكاري في الأسواق؛ حيث تؤدي “ديكتاتورية التنظيم” إلى منع التدافع والتنافس الطبيعي في المجتمع، والذي يمثل الحيوية فيه، فيُجَمَّد المجتمع في شكل واحد أنتجته الجماعة المعينة، ولم تسمح بمراجعته بشكل حقيقي.
وفي الفصل الثاني، وهو بعنوان “دواعي التأسيس والانتماء للجماعات المختلفة في المجتمعات المسلمة”، يقسِّم الباحث دواعي تأسيس جماعة من المسلمين في المجتمع المسلم إلى نوعين: النوع الأول هو دواع فكرية (أيديولوجية)، وهي تتعلق بتصور هذه الجماعة لعلاقات المجتمع الداخلية والخارجية فيما يرتبط بالدين، أو السياسة، أو مظاهر الاجتماع المختلفة. أما النوع الثاني: فهو دواع سيكولوجية تتعلق بالظروف والمناخ الذي تنشط فيه النزعة البشرية الطبيعية للتكتل والتشكل في مجموعات جزئية داخل وعاء مجتمعي كلي.
أما الفصل الثالث، الذي حمل عنوان “أيديولوجيا الجماعات الإسلامية من خلال فلسفة النسبية”، فيتناول فيه الكاتب مفهوم النسبية، والحق المطلق، أو الحقيقة المطلقة، ومفهوم الأيديولوجيا، وتأثير هذه المفاهيم على واقع الجماعات الإسلامية في العالم الإسلامي. وهنا، يرى الباحث أن ادعاء الحق المطلق، والذي يقصد به ادعاء جماعة من المسلمين امتلاك الإسلام الصحيح، له ثلاثة أدواء أساسية: الجمود في الفكر لوقف حركة النقد (أو الاجتهاد)، والتفرق إلى فرق متعادية وأحيانًا متقاتلة، وحكم الشعوب أو السعي إليه بالقهر. ويُبَيِّن أن المرجعية الوحيدة الممكنة لأي مجتمع على الصعيد العملي تكون هي المجتمع نفسه؛ لذلك لا يمكن لأية جماعة إصلاحية دينية أن تفرض رؤيتها على الناس باعتبارها الحق؛ فالحق الذي ينتج في الوعي الإنساني هو حق نسبي لا يكتسب شرعية إلا باتفاق الناس حوله إجماعًا أو غلبة اختيارية.
ويعالج الكتاب في الفصل الرابع، وهو بعنوان “الإسلاميون والحكم”، الدوافع النفسانية للإسلاميين إلى الحكم؛ مبرزًا حالة الاستعلاء الناتج عن التمييز بين المسلم والإسلامي؛ حيث ينشأ عند الإسلاميين نزوع خفي نحو الحكم والظن أن المسلم العادي هو شخص ناقص دينيًا، إما في أفكاره، أو أعماله، أو أخلاقه، أو كل ذلك، وهو مستوجب للإصلاح. ثم هناك الشعور الخفي المتكون لدى الإسلاميين بالولاية على المسلمين، والتي تتسرب إلى الإسلاميين بتلقائية بعد أن يستنهض الإسلاميون هممهم وعزائمهم ويُؤْلُوا على أنفسهم النهوض بأمر الدين وتولي شؤونه.
معلومات عن الكتاب
العنوان: أصحاب الحق: دراسة في نقد الجماعات الإسلامية
المؤلف: علي عبد الرحيم أبو مريم
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات – الدار العربية للعلوم ناشرون
إرسال تعليق