نزيف الطرق… مأساة وطنية تحصد الأرواح بلا رحمة، آخرها محام

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 5 نوفمبر، 2025 - 14:03
  • الزيارات : 272
  • ريحانة برس 

    في وطننا اليوم، أصبح صوت صفارات الإسعاف كالنبض الذي لا ينقطع، يعزف سيمفونية مأساوية تُرافق شروق الشمس وغروبها بلا هوادة. كأن الطرق لم تُبنى لتسهل حياة المواطنين، بل لتحولهم إلى ضحايا دائمين، حيث تتحول الشوارع إلى محاكم بلا قضاة، وأسطح الإسفلت إلى مرقدٍ للضحايا.

    مدينة المحمدية، التي كانت يوماً تُلقب بـ”مدينة الزهور”، انزلقت إلى حُفرة من الألم بعد حادث مأساوي شهده الجميع. شاحنة عملاقة انقلبت على سيارة محامٍ كان رمزاً للعدالة، ليُسحق القانون الحامل معه تحت عجلات الإهمال والرعونة. هذا المشهد ليس مجرد حادث، بل صورة صادمة لعبثٍ قاتل يهدر أرواح أبرياء في غفلة ممن يُفترض بهم حماية القانون وتنظيم السير.

    هذا العبث المستشري على طرقاتنا، الذي يجعل من السرعة المزعومة “شجاعة” ومن الرعونة “مهارة”، ناتج عن ثقافة مقلوبة لازالت تستهتر بحياة المواطن. توزيع رخص القيادة بِلُّطاف ورضى بدلاً من الكفاءة، وتعاملنا مع قانون السير كأنه اقتراح لا أكثر، وهما عاملان كافيان ليجعلانا قريبين من كارثة لا مفر منها.

    نعم، التحقيقات تُفتح بعد كل انقلاب، لكن سرعان ما تُغلق دون مساءلة حقيقية أو عقاب رادع. لجن تحقق تُشكّل لتنسج بيانات رسمية تُغطي على الواقع المؤلم، ولا شيء يتغير.

    الوطن بحاجة إلى صحوة وضمير يقوده العقل، لا الكلام الرنان. إلى قوانين صارمة تُطبق بحزم وشفافية، لا مجاملة أو فساد. إلى تجهيز طرق آمنة تُبنى على أسس علمية وفنية، لا مجرد زفت يُخفي أطنان المآسي تحت سطحه.

    نطالب بتركيب رادارات ذكية لا تراقب السرعة فقط، بل تراقب السلوك والوعي المروري. لأن غياب الفهم والالتزام هو السبب الرئيسي في نزيف الطرق، وليس مجرد تجاوز السرعات.

    في الختام، نقول لروح المحامي الراحل الذي غادرنا ضحية إهمالنا الجماعي، أن تضحياته لن تذهب سدى، إذا ما رفعنا أصواتنا وناضلنا لتحويل طرقاتنا إلى أماكن للحياة لا للمآتم.

    لن نستمر في خسارة أرواحنا بلا وعي أو مساءلة. احترام قانون السير هو احترام للحياة، ولن يتوقف نزيف الأسفلت إلا حين نختار بوعي أن نحمي أنفسنا وأحبائنا.