رضا بن عثمان : العدالة والتنمية: الأمير الساقط الذي يُراد إسكاته

  • الكاتب : رضا بن عثمان
  • بتاريخ : 28 أبريل، 2025 - 12:15
  • ريحانة برس

    قد يحدث أحيانًا في مسيرة الأحزاب السياسية أن تكون السقطة من العلوّ بحيث يخشى الناجون منها مجرد الالتفات إلى الوراء. ومؤتمر حزب العدالة والتنمية التاسع لم يكن إلا من تلك الليالي الكئيبة بعد الغرق، ومن تلك السهرات التي يُقسَم فيها على البعث من جديد، مع علم الجميع أن سيف ديموقليس ما يزال معلقًا فوق الرؤوس.

    بعد الهزيمة الانتخابية المهينة سنة 2021، ظن البعض أن الحزب سيُلقى به إلى سراديب التاريخ المظلمة. ولكنهم جهلوا غريزة البقاء لدى الكائنات السياسية. وعند غياب الخلف، لوّح المؤتمِرون مرة أخرى بصورة عبد الإله بنكيران، ذلك الخطيب المتعب من كثرة المعارك، الورقة الأخيرة التي تُخرج عندما يصبح الأمل حملًا ثقيلًا لا يقوى عليه الرجال.

    غير أن نسمةً دافئة هبّت من قلب الصحراء. فقد جاء خطاب الشيخ الموريتاني محمد الحسن الددو خلال المؤتمر ليبعث في النفوس شعلةً كادت أن تنطفئ: شعلة رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ذاك الجرح الغائر الذي يسمم الضمائر ويمزق الولاءات. ولم يكن الشيخ صريحًا في إدانته، لكنه منح الحزب صك غفران غير معلن: كأنما يقول إن الحزب أجبر على التوقيع تحت الضغط، ولكن قلبه ما يزال يخفق بحب الأمة. كانت موعظةً في هيئة بعثٍ من الرماد.

    لكن السلطة لا تحب العائدين من الهزيمة، خصوصًا أولئك الذين، وإن بُتروا، قد يوقظون جذوة التمرد. لذلك لم يكن مستغربًا أن ترفض وزارة الداخلية فتح خزائن الدولة أمام الحزب: لا درهم واحد لحزب لا يجب أن يأمل أبدًا في العودة إلى الحكم. ففي مغرب السياسة، من يدفع يتحكم، ومن يحجب التمويل يُقصي. وهكذا وجد العدالة والتنمية نفسه مضطرًا إلى مد اليد لأتباعه، أولئك الذين لم يغادروا السفينة بعد.

    ثم جاء دور آلة التشكيك: حملة إعلامية مُحكمة، غضب مصطنع، وأسئلة تنهال كالسكاكين: “أين ذهبت التبرعات؟”، “ما الغاية من جمع المال؟”. نفس العازفين، ونفس الألحان البائسة. وعبر استهداف بنكيران، يراد القضاء على فكرة البديل الإسلامي برمّتها. لا خوفًا من تهديد انتخابي لم يعد قائمًا، بل خوفًا من يقظة أخلاقية في بلد تختنق أنفاسه دون صراخ.

    في هذا المشهد المأساوي، يبدو الحزب كضحية تم اختيارها بعناية. لن يحاكم على أخطائه الماضية — وهي حقيقية — بل ليكون عبرةً لمن تسول له نفسه التمرد، ولو كان خجولًا، ولو كان مذلًا.

    وفي الظل، ماذا سيفعل العدل والإحسان؟

    ذلك الذي يردد منذ عقود أن معاقل الحكم لا تفتح بالأبواب المؤسسية؟ لا شك أنه سيبتسم. فكل صفعة يتلقاها العدالة والتنمية تثبت صدق دعوته: لا خير يُرجى من هذا المسار. لكنه هو الآخر سيواجه السؤال المصيري: أيتابع المشهد من مقاعد المتفرجين، أم ينزل إلى الساحة بجانب أولئك الذين صمّهم الفقر عن سماع دعوات الصبر؟

    أما الأغلبية الصامتة، جيش البائسين المتعبين والشباب الذين سُرقت أحلامهم، فلا حزب لها. لها فقط غضبات خاطفة، وثورات بلا راية. لن تهبّ لإنقاذ العدالة والتنمية. ولكنها قد تتذكر غدًا أن من يحتقر الجسارة لا ينجو من تبعاتها.

    ففي مغرب اليوم، حتى الأحزاب الساقطة قد تكون شرارة.

    وتحت الرماد، قد تختمر الحرائق.