يقول المؤلفان في المقدمة ، كمدخل إلى الموضوع : لم تعان أمة الاسلام من آفة نزلت بها مثل معاناتها مع آفة تكفير المسلمين التي عشعشت في عقول نفر من ابنائها
تأليف وإعداد : ناجح ابراهـــــيم عبدالله
علي محمد علي الشريف
الباب الأول : الغلو في الدين وأسبابه ومظاهره .
الفصل الأول : حكمة تحريم الغلو في الدين .
يقول المؤلفان في المقدمة ، كمدخل إلى الموضوع : لم تعان أمة الاسلام من آفة نزلت بها مثل معاناتها مع آفة تكفير المسلمين التي عشعشت في عقول نفر من ابنائها ، وجعلتهم يكفرون المسلمين بغير مقتضى شرعي . ومن ثم أهدروا دماءهم واستحلو أموالهم ، دون أن يكون معهم دليل من الشرع ، أو حجة من الدين أو برهان من أقوال السلف ، ولم يكونوا في الوقت نفسه مؤهلين للخوض في هذه اللجة العميقة ، والسباحة في هذا البحر العميق الذي لا يجيد السباحة فيه سوى العلماء التقات الأثبات الصادقين الذين تسلحوا بالعلم وتجردوا عن الهوى . ص(3)
بداية ماهو الغلو؟
في اللغة هو الزيادة عن الحد ، وشرعا هو مجاوزة الحد المطلوب شرعاً من العبد إلى ماهو أبعد منه فلا يكتفى بطلب الشارع ، بل يشعر بأن ماطلبه الشارع قليل ولا يكفي فيغالي ويزيد من عنده على ما أمر به الشارع ، اعتقادا بان ذلك محبوب شرعا ، وهذا ايضا هو تعريف التشدد والتنطع والتطرف . ص (19).
وفي حكمة تحريم الغلو في الدين يسـوق المؤلفان عدة أسـباب في ذلك منها : أن الغلو منفر لا تحتمله طبيعة البشر ولا تصبر عليه ، وان صبرت عليه وتحملته فئة فان الغالبية لا تقوى على ذلك والدليل على ذلك حديث جابر بن عبدالله الانصاري لما غضب رسول الله (ص) من معاذ حين صلى بالناس فأطال حتى شكاه أحدهم للنبي (ص) فقال له : ( أفتان أنت يا معاذ؟ ) وكررها ثلاثاً.
وقوله (ص) لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن ( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا) وقول عمر رضى الله عنه : ( لا تبغضوا الله الى عباده فيكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ماهم فيه ) .
كما أن الغلو قصير العمر ، والانسان ملول وطاقته محدودة نفسيا وبدنيا ، وربما يقوده الغلو إلى السأم او ينتقل إلى الافراط والتفريط ومن التشــدد الي التســيب ولذا قال رسـول الله (ص) : ( ان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ) وقوله (ص) : (يا أيها الناس عليكم من الأعمـــال ما تطيقون ، فان الله لا يمل حتى تملوا وان أحب الأعمال الى الله ما دووم عليه وان قل ) وحديث ابوهريره رضى الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : ( ان الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا وأستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة ) .
والغلو في الدين لا يخلو من جور على حقوق أخرى يجب أن تراعى وواجبات يجب أن تؤدى وما أصدق ما قاله الحكماء: ( ما رايت اسرافا الا وبجانبه حق مضيع ) وقال رســـول الله (ص) لعبدالله بن عمر حين بلغه انهماكه في العبادة انهماكا أنساه حق أهله عليه ، قال : ( ياعبــــدالله ألم أخبر أنك تصــوم النهار وتقوم الليــــل ) فقال : قلت بلى يارسول الله ، فقال (ص) : ( فلا تفعل ، صم وأفطر وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لعينك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا) ص (23).
الفصل الثاني : من مظاهر الغلو في الدين .
بعد أن بين المؤلفان حكمة تحريم الغلو في الدين فانهما يشيران الى مظاهرة وهي:
1- التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر: في الأمور الاجتهادية والأمور المحتملة ، وكثيرا ما يجعل الأمور الاجتهادية أمورا مقطوعة ويقينية ليس فيها الا قول واحد وهو قوله ( ولا رأي الا رأيه) ص (27) .
ويقينا أن هناك من يحاول ان يفرض رأيه بالقوة ، ويزداد الأمر خطورة حين يراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا الغليظة ، وهنا قد لا تكون العصا الغليظة من حديد أو خشب فهناك الاتهام بالابتداع او بالاستهتار بالدين او بالكفر والمروق ، ان هذا الارهاب الفكري اشد تخويفا وتهديدا من الارهاب الحسي) ص (28).
2- إلزام جمهور الناس بما لم يلزمهم الله به:
يقول المؤلفان : ( ومن مظاهر الغلو الديني التزام التشدد مع قيام موجبات التيسير والزام الآخرين به حيث لم يلزمهم الله به ، فلا ينبغي لمسلم ان يرفض التيسير في وقت الحرج وأن يرفض الرخصة التي رخصها الله ويلزم جانب التشدد ) ص(28).
والله تعالى يقول : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وعائشة رضى الله عنها تقول : ( ماخير رسول الله (ص) بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن أثما ) ويذكر المؤلفان أن من التشدد على الناس محاسبتهم على النوافل والسنن كأنها فرائض، وعلى المكروهات وكأنها محرمات والمفروض الا تلزم الناس الا بما الزمهم الله تعالى به جزما وما زاد على ذلك فهم مخيرون فيه إن شاء وا فعلوا وإن شاءوا تركوا ، ويشير المؤلفان في هذا السياق إلى حديث طلحة بن عبيدالله في الصحيح في قصة ذلك الاعرابي الذي سأل النبي (ص) عما عليه من فرائض فأخبره بالصلوات الخمس وبالزكاة ورمضان ، فقال هل على غيرها ؟ فقال : لا . إلا ان تطوع ، فلما أدبر الرجل قال : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال النبي (ص) : ( افلح إن صدق ، أو دخل الجنة إن صدق ) ص (31) .
3- التشدد في غير موضعه :
ولما كان التشدد أحد أهم مظاهر الغلو في الدين ، فإنه يكون أعظم اذا كان في غير زمانه ومكانه ، كأن يكون مع قوم حديثي العهد بالاسلام أو حديثي عهد توبة ، أو في غير دار الاسلام وبلاده الاصلية ، فهؤلاء ينبغي التساهل معهم في المسائل الفرعية والأمور الخلافية ، والتركيز معهم على الكليات قبل الجزئيات وتصحيح عقائدهم أولاً ، كما جاء في حديث رسول الله (ص) لمعاذ بن جبل لما أرسلة إلى اليمن : ( انك تأتي قوما من أهل الكتاب . .) ص (31).
4- الغلظة والخشونة :
يقول المؤلفان ان من مظاهر الغلو والتشدد في الدين الغلظة في التعامل والخشونة في الأسلوب والفظاظة في الدعوة خلافا لأمر الله ورسوله فقد قال تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) وقال الرسول (ص) ان الله رفيق يجب الرفق في الأمر كله ) وفي تحليل المؤلفان لموقف الشباب من الناس في هذا الشأن يقولان : ( وللأسف الشديد نجد بعض شباب الحركات الاسلامية يتحاورون ويتعاملون بالغلظة مع الناس ، لا يفرقون في ذلك بين كبير وصغير ، ولا بين من له حرمه خاصة كالأب والأم ومن ليس كذلك ولا بين من له حق التوقير والتكريم كالعالم والفقيه والمعلم والمربي ومن ليس كذلك ، ولا يفرقون بين من هو معذور ومن ليس كذلك ، ومن هو جاهل ومن يعادي الاسلام عن عمد وعلم وبصيرة ) ص (34).
5- سوء الظن بالناس :
ومن مظاهر الغلو والتشدد ولوازمه سوء الظن بالآخرين ، فالأصل عند المتشدد هو الاتهام ، والاصل في الاتهام الادانة خلافا لما تقرره الشرائع والقوانين : ( ان المتهم برئ حتى تثبت إدانته ) ان المتشددين يرجحون احتمال الشر على احتمال الخير ، ويعتبرون من يخالفهم متهم في دينه أو الابتداع ، ويقول المؤلفان فوق ذلك : (ولا يقتصر سوء الظن عن هؤلاء على العامة بل يتعدى الى الخاصة وخاصة الخاصة ، فاذا أفتي فقيه بفتوى فيها تيسير على خلق الله ورفع الحرج عنهم فهو في نظرهم متهاون في الدين ، ولم يقف الاتهام عند الاحياء ، بل انتقل الى الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ، كأئمة المذاهب المتبعة ، فهم على مالهم من فضل ومكانة لدى الأمة في كافة عصورها لم يسلموا من ألسنتهم وسوء ظنهم ، ان ولع من يكفرون المسلمين بالهدم لا بالبناء ولع قديم وغرامهم بانتقاد غيرهم وتزكية أنفسهم أمر معروف ، والله سبحانه وتعالى يقول : (فلا تزكوا أنفســـكم هو أعلم بمن أتقى ) ص(35). بل أن رسول الله (ص) يقول : ( اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) ص ( 36).
ويشير المؤلفان الى ان المتشددين لا يرون الا المثالب ولا يعجبهم احد ولا ينظرون الى الحسنات وهذه نظرة غير عادلة وانحراف عن الطريق السليم فالله يقول : ( يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ) . وقال تعالى : ( ياايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ولو على انفسكم أو الوالدين والأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلوا أو تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا ) .
ويرى المؤلفان انه يجب على المسلم العدل والانصاف ويزن الناس بميزان الشرع والوسطية ولا ينبغي له ان يحقر أخاه المسلم ، فقد قال الرسول (ص) : ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ص (38) .
6- النظرة المثالية للمجتمع :
يقول المؤلفان ان من مظاهر الغلو ان ينظر المرء الى المجتمع وأفراده نظرة مثالية ، وانه ينبغي ان يكون خاليا من المعاصي ويسوده الحب والمودة والطاعة ، وهذه نظرة مثالية وغلو في التصور وبعد عن الواقع ، وقد كانت المعاصي والذنوب في كل الأمم وفي اتباع الرسل فهي فيمن دونهم من باب أولى ، وان كل ابن آدم خطاء كما قال رسول الله (ص) : ( ولو لم يذنب البشر لخلق الله بشرا يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ) كما ورد في الحديث . ص (40) .
وقال تعالى : ( وخلق الانسان ضعيفا ) ثم يستعرض المؤلفان مجموعة من الاحاديث التي دلت على وقوع بعض المعاصي والذنوب في عهد الصحابة رضى الله عنهم وذلك لتبيان ان خير القرون هو قرن الرسول (ص) لم يكن خاليا من المعاصي سواء كانت من الكبائر أم من الصغائر ، وكذلك لتبيان بشرية الصحابة وان في عهدهم من قتل وسرق وزنى وشرب الخمر ، كما يدل ذلك على ان حدوث المعاصي والذنوب في القرون التالية اكبر ولا يخرجها ذلك عن الاسلام ، ويقولون انه لا يجوز لاحد ان يصفها بانها امة قد ارتدت او أنها عصر جاهلية كجاهلية ما قبل الاسلام . ص (41) .
ويأتي المؤلفان الى عصرنا الحديث ويقولان ان ما وقع لطائفة الخوارج قديما وقع لجماعة ( التكفير والهجرة ) حديثا فهم يكفرون كل من ارتكب معصية ويكفرون الحكام والمحكومين والعلماء والناس وكل من خالفهم بل انهم يكفرون كل من قبل فكرهم ولم يدخل في جماعتهم ويبايع امامهم ، ودخل في جماعتهم تم ترائ له لسبب أو لآخر أن يتركها .
فهو مرتد حلال الدم ، وهكذا أسرف هؤلاء في التكفير ، فكفروا الناس أحياءً وأمواتا ، وقد حذر الرسول (ص) من الاتهام بالكفر ، ففي الحديث الصحيح ( من قال لأخيه : ياكافر فقد باء بها أحدهما ) أي فيما لم يكن الآخر كافراً بيقين فقد ترد التهمة على من قالها ويبوء بها فهذا خطر جسيم ) ص (52).
7- من أسباب الغلو في الدين :
يرى المؤلفان ان من اسباب الغلو في الدين التالي :
أ- ضعف البصيرة بحقيقة الدين.
ب-ضعف البصيرة بالواقع .
إن ضعف البصيرة بحقيقة الدين المقصود به هنا هو نصف العلم الذي يظن صاحبه انه دخل به في زمرة العلماء وهو يجهل الكثير والكثير ، ولا يربط الجزئيات بالكليات ولا يرد المتشابهات إلى المحكمات . وقال النبي (ص) في ذلك : ( ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا ) .
ومن مظاهر الجهل :
1- الاتجاه الظاهري في فهم النصوص : ويقول المؤلفان ان بعض الشباب يتمسكون بحرفية النص دون التغلغل الى فهم فحواها ومعرفة مقاصدها فهم لا يعرفون القياس ولا يستخدمونه ولا ينظرون الى العلة والحكمة من وراء التشريع ويضربان على ذلك مثلا ، فهم البعض لما ورد في حديث الرسول (ص) من نهى ان يسافر بالمصحف الى أرض الكفار أو أرض العدو ، والناظر في علة هذا المنع يتبين له ان النبي (ص) لم ينه عن ذلك إلا مخافة ان يستهين الكفار بالمصحف ، وحين تنتفى العلة ينتقى الحكم ، وكذلك مثال نهى الرسول (ص) المسافر أن يطرف أهله ليلاً . ص ( 58).
2- الإنشغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى : ومن دلائل عدم الرسوخ في العلم ومظاهر ضعف البصيرة في الدين اشتغال البعض من هؤلاء بكثير من المسائل الجزئية والأمور الفرعية عن القضايا الكبرى التي تتعلق بوجود الأمة الاسلامية وهويتها ومصيرها ، فنرى كثير منهم يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل مسائل فرعية اختلف فيها العلماء سلفا وخلفا ولا مصير الى اتفاقهم فيها لانها من المسائل الاجتهادية الفرعية التي تتفاوت فيها الأفهام وتتعارض فيها الأدلة ، ويضرب المؤلفان أمثلة على ذلك مثل وضع اليدين في الصلاة ، وهل توضع على الصدر أم تحت السرة أم تسدل الى الجانبين ، والاختلاف فيها لا يمثل كبير اختلاف ولا يجوز تضييع الجهد عليها وترك ما هو اعظم وأكبر . ص (61) .
3- الاسراف في التحريم ( بغير دليل) : ومن دلائل عدم الرسوخ في فقه الدين الميل دائما الى التضييق والتشديد والاسراف في القول بالتحريم مع تحذير القرآن الكريم والسنة والسلف من ذلك ، فقد قال تعالى : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ، ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) . وكان السلف لا يطلقون الحرام الا ما علم تحريمه جزما ، فاذا لم يجزم بتحريمه قالوا : ( نكره كذا او لا نراه أو نحو ذلك من العبارات ولا يصرحون بالتحريم ) والمتشددون يجنحون الى التحريم دائما مع وجود الكراهة او يجنحون الى التشدد والتضييق مع وجود التيسير .
4- إتباع المتشابهات وترك المحكمات : المتشابه هو ماكان محتمل المعنى وغير منضبط المدلول ، والمحكم هو البين المعنى الواضح الدلاله المحدد المفهوم ، يقول المؤلفان ان غلاة اليوم يعتمدون على المتشابهات في تكفير الأمة واستحلال دمائها ولو ردوا المتشابه الى المحكم لحكموا بالعدل والحق.
5- عدم التعلم على أيدي العلماء : ومن أسباب ضعف البصيرة عند البعض أن الواحد منهم لم يتلق العلم من أهله وشيوخه المتخصصين بمعرفته ، والمؤلفان يشيران بذلك الى اعتماد البعض على بضاعة الكتب والصحف والقراءة من غير المصادر والاصول الشرعية مما يجعلهم يسيئون الفهم ويستبطون احكامهم من غير أهل العلم والعلماء الثقات .
2- ضعف البصيرة بالواقع والحياة والتاريخ وسنن الكون :
إن أهم أسباب الغلو في الدين بعد ضعف البصيرة فيه ، هو عدم الوعي بالواقع والحياة ( فتجد أحدهم يريد ما لا يكون ويطلب مالا يوجد ويتخيل ما لا يقع ويفهم الوقائع على غير حقيقتها ويفسرها وفقا لأوهام رسخت في رأسه لا أساس لها من سنن الله في خلقه ولا من احكامه في شرعه ، وهو يريد ان يغير المجتمع كله ، افكاره ومشاعره وتقاليده واخلاقه وانظمته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بوسائل واهية واساليب خيالية . ص (65).
إن معرفة التاريخ والوعي بالواقع لا يعني القراءة السردية ، بل الوعي والعبرة والنفاذ الى سنن الله فيها يقول الله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ) فإن التاريخ هو مخزن العبر ومعلم الأمم ، فكما أن الفرد يتعلم من احداث أمة الغد ، فان الأمة ايضا تأخذ من ماضيها لحاضرها ، وتستفيد من صوابها وخطئها ومن انتصاراتها وهزائمها . ص(66) .
الفصل الرابع : الاسلام بين الغلو والتقصير .
يتسائل المؤلفان قبل نهاية الباب الأول عن قضية المسلمين الثانية ما يرونها وهي التقصير من جانب المسلمين الذي يتجلى في تفريط المسلمين في دينهم وضياع مقدساتهم وتنازعهم على الجاه والسلطان . ويقولان : ( ان الغلو والتقصير وجهان لعملة واحدة ، والافراط والتفريط صورتان لشئ واحد ، وكلاهما خطر على الاسلام ، وكلاهما ضار بالدين ، فالدين وسط بين الافراط والتفريط والغلو والتقصير : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ص. (75) .
يؤكد المؤلفان هذه الوسطية في السطورالتالية : ( وعلى كل من يريد أن ينهج منهج الاسلام ويقتفى صراطه المستقيم فعلية أن يسلك سلوكهم يقتفى آثار أهل السنة والجماعة ، وعلى مسلمي اليوم ان يقتفوا آثار السلف الصالح الذين نهجوا منهج الحق وتشربوا وسطية الاسلام وعدله اقتفوا صراطه المستقيم ، فلم يطغوا في الميزان ولم يخسروا فيه ، ولكنهم اقاموا الوزن بالقسط والحق ) ص ( 77).
فعلى المسلم أن يجمع خيري الدنيا والآخرة وصلاحهما ويتخذ أسباب الدنيا بحوارحه ويتوكل على الله بقلبه ، فالتوكل عمل القلب واتخاذ الأسباب عمل الجوارح ولا تعارض بينهما وان يكون وسطا بين المقدسين للعقل الذين يقدمونه على النقل الصحيح ان كان هناك تعارض بينهما ومن المغيبين للعقل تماما ولو كان في فهم النص وشرحه وتوضيحه وبيان ما غمض منه والوقوف على حكمةالله الخفية فيه ، فللنص الصحيح القاطع مكانه الصحيح المقدم على العقل وللعقل مكانه السليم في فهم النص وشرحه واستنباط حكمته وعلته مع ان العقل السليم السديد لا يتعارض ابدا مع النص الصحيح وان يكون وسطا بين الذين يغفلون مقاصد الشريعة الكلية بدعوى مراعاة النصوص ) ص( 78)
ويختتم المؤلفان هذا الباب بقولهما : ( ان الدين يضيع بين غلو المغالين وتقصير المقصرين ، وخذ بهدى نبيك الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في كل وقت وحين ) .
الباب الثاني : بدعة التكفير والرد عليها :
الفصل الأول : الغلو في تكفير عصاه المسلمين :
يتحدث المؤلفان عن الافراط والتفريط ويحثان المسلمين على انتهاج المنهج الوسطي وان لا ينظر المسلم للناس بعيدا عن هذا المنهج ولا يتجاوز حدود الشرع والدين في حكمه عليهم ، والحديث هنا عن بعض نفر قليل ينتسب الى الحركة الاسلامية وهي منهم براء ، غالوا وتشددوا بغير حق في الحكم على الناس فأخرجوا اهل الاسلام من الملة وحكموا عليهم بالكفر نتيجة لشبهة أو هوى أو تقليد لضال مضل أو لغير ذلك من الأسباب ) ص. (90) .
المبحث الأول : الآثار السلبية للغلو في تكفير عصاة المسلمين .
المطلب الأول : المفاسد المترتبة على تكفير المسلمين :
يرى المؤلفان أن من يحكم على مسلم بالكفر بغير حق يقع في بعض الأمور منها :
أولاً : إن من يحكم على مسلم بالكفر يقع تحت الوعيد الشديد لمن نسب مسلماً إلى الكفر ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال و الا رجعت إليه . و في رواية عن ثابت بن الضحاك :” و من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله “. و في رواية عنه :” و من قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله “.
ثانياً : ان تكفير المسلم بغير حق إهدار لقيمة العدل الذي يستوجب في أدنى صوره أن يكون من يحكم بالتكفير مؤهلاً لذلك وإن يتاح لمن ينسب إلى الكفر حق الدفاع الشرعي عن النفس و رد المظالم .
ثالثاً : إن تكفير المسلم يؤدي إلى تمزيق المجتمعات وبذر الخلاف بين الناس لما يترتب على ذلك من حل الدماء والأموال والتفريق بين الزوجين وقطع ما بينه وبين المسلمين في الإرث والغسل عند الموت والصلاة والدفن .
رابعاً : تكفير المسلمين يثير الفوضى في المجتمع ويفتح الباب أمام الجهال ليعيثوا فساداً بين الناس .
خامساً : الحكم على بعض عصاة المسلمين بالكفر دون وجه حق يعني إغلاق باب الرجاء وفتح باب الياس والقنوط وربما التمادي في المعصية .
المطلب الثاني : أصل بدعة الكفر :
يرجع المؤلفان أصل بدعة التكفير الى الخوارج و ما نتج عنها في فجر الاسلام وما تبع ذلك من مآسي كثيرة ويستشهدان بقول الشيخ القرضاوي: ” وهذا ما وقع فيه الخوارج في فجر الاسلام والذين كانوا من أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية صياماً وقياماً وتلاوة القرآن ولكنهم أتوا من فساد الفكر لا من فساد الضمير وزين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم :”يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ” و ذكر علامتهم ” يقتلون أهل الاسلام و يدعون أهل الأوثان ” ص 101 .
المبحث الثاني : الرد على من يكفر عصاة المسلمين :
لقد حذر الني صلى الله عليه و سلم من الاتهام بالكفر :” من قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما وقد صح من حديث أسامة بن زيد أن من قال : لا اله الا الله فقد دخل الاسلام و عصمت دمه وماله ، وإن من قالها خوفاً أو تعوذاً من السيف فحسابه على الله و لنا الظاهر و لهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم غاية الإنكار على أسامة حين قتل الرجل في المعركة بعد أن نطق بالشهادة و قال : أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ قال : إنما قالها تعوذاً من السيف ، قال : هل شققت قلبه ؟ ما تصنع ب” لا إله الا الله ” قال أسامة : فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ . ص102.
ويأتي المؤلفان إلى توضيح بعض المصطلحات وذلك لأن ما دفع المغالين في تكفير الناس هو الخلط في فهمها الايمان.
الايمان في اللغة التصديق واصطلاحاً عند أهل السنة والجماعة قول باللسان وتصديق الجنان وعمل بالأركان . ويرى بعض الحنفية أنه التصديق وأكثر الحنفية على أنه التصديق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاقرار باللسان ، واهل السنة والجماعة يعبرون عن تعريفهم للإيمان بأنه قول وعمل .
ويذكر المؤلفان رأي الحافظ بن حجر في الأيمان عند أهل السلف و يلخصانه في :
أ- أن أهل الســنة يعنون بالإيمان إعتقاد القلب ونطق باللسان وعمل بالأركان.
ب- هناك من الأعمال ما ينقص أصل الإيمان تركها مثل اسـتحلال ترك الواجبات وهناك من الأعمال ما هو شرط لكمال الإيمان وليس صحته ولهذا الإيمان عند أهل السنة يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية .
ج- أفعال قد تدل على كفر فاعلها كالسجود للصنم .
ولكن بما يدخل الكافر الإسلام ؟ الكافر إنما يدخل الإسلام ويصبح في عداد المسلمين بمجرد نطقه بالشهادتين وقبل أن يؤدي الصلاة أوالزكاة أوغيرها ، إن العبادات لا تقبل إلا من مسلم وإنما يكفي أن يقر بالفرائض ويلتزم بها وإن لم يؤدها بالفعل وهذه الشهادة هي التي تعصم دم الإنسان وماله كما في الحديث” فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ” . ص 109
الفرق بين الإيمان و الإسلام :
الخلط بين الإيمان والاسلام يؤدي الى الخلط في الحكم على الناس فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بأعمال القلب “تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ” . وفسر الاسلام بأعمال الجوارح “أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت” وقد يطلق الاسلام في موضع آخر يراد به أيضاً الدين كما في حديث ” الاسلام أن يسلم قلبك لله ويسلم المسلمون من لسانك ويدك ” . وحديث ” أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ” .
الكفر و معناه الكفر لغة الستر وشرعاً تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به من الدين ضرورة . والكفر خمسة انواع : كفر تكذيب و كفر استكبار وإباء مع التصديق وكفر إعراض وكفر شك وكفر نفاق وقد يطلق الكفر بمعنى الردة كما في قوله تعالى ” ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون ” وقد تطلق كلمة الكفر على بعض المعاصي العملية التي لا تحمل إنكاراً ولا جحوداً ولا استحلالاً ولا تكذيباً لله ورسوله ولم يقف الغلاة في التكفير عند الخطأ في تحديد مفهوم الايمان إنما أضافوا اليه وبنوا عليه خطايا عديدة دفعت بهم الى هاوية سحيقة وكانت أولى هذه الخطايا أنهم ذهبوا الى أن كل ما سماه الله ورسوله كفراً في نصوص القرآن والسنة هو من الكفر المخرج عن الملة الذي يوجب خلود صاحبه في النار ولم ينتبهوا إلى أن هذا الإطلاق لا يصح فأهل السنة والجماعة عبر استقرائهم لكل نصوص الكتاب والسنة قرروا قاعدتهم الذهبية في هذا الشأن وهي أن ما سماه الله ورسوله كفراً ليس بالضرورة أن يكون من الكفر المخرج عن الملة أنما قد يكون كفراً أصغر لا يخرج فاعله من الملة ويحمل على كفر النعمة أو كفر الأخوة ونحو ذلك و قد يكون ما سمي كفراً في الكتاب و السنة كفراً أكبر يخرج فاعله من الملة ” ص 113 .
ويشير المؤلفان إلى قول الشيخ حافظ حكمي حول مسالة الكفر ” ليس كل فسق يكون كفراً ولا كل ما يسمى كفراً و ظلماً مخرجاً من الملة حتى ينظر إلى لوازمه وملزماته، وذلك لأن كلاً من الكفر والظلم والفسوق والنفاق جاءت في النصوص قسمين : أكبر مخرج من الملة لمنافاته أصل الدين بالكلية وأصغر لا ينقص الإيمان وينافي كماله ولا يخرج صاحبه منه فكفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق ونفاق دون نفاق ” ص 114 .
وينظر المؤلفان إلى تقسيم الكفر إلى كفر أكبر وكفر أصغر إذ يجمع علماء السلف على حمل الكفر المذكور في الآيات التالية على الكفر الأكبر المخرج من الملة ” قل ياأيها الكافرون ،لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ” و قوله تعالى :” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ” وقوله تعالى:”إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ” . ومن أمثلة الكفر الأصغر كما جاء في الحديث الصحيح “يا معشر النساء … إلى آخر الحديث . وقوله صلى الله عليه وسلم ” سباب المسلم فسوق و قتاله كفر ” إذ أن القتال الذي جرى بين على بن أبي طالب و معاوية ابن أبي سفيان يعتبر من الكفر الأصغر إذ أن العديد من الذين قتلوا في الجانبين من المسلمين الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة .
ويقول المؤلفان أن هناك اختلافاً بين أهل السنة في ما سمي كفراً من بعض النصوص هل هو كفر أكبر أم أصغر ومن ذلك قوله صلى الله عليه و سلم ” بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ” فمن العلماء من حمل ذلك على الكفر الأكبر وذهب جماهير السلف والخلف ومالك والشافعي إلى عدم كفر تارك الصلاة تكاسلاً وعدوة فاسقاً ومن أمثلة الخلاف بين الكفرين تفسير قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” إذ أن من العلماء من جعل الكفر المذكور في الآية على الكفر الأصغر ومنهم من جعلها على الكفر الأكبر ، ومنهم من قال أنها تحتمل المعنيين . ويخلص المؤلفان إلى : و يبقى أمر يجب الانتباه اليه و هو أن من يقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة سواء كان حاكماً أو محكوماً لا يصح تكفيره إلا بعد إقامة الحجة الواضحة التي بمقتضاها يتم التأكد من ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه و هذا أمر يختص به أهل العلم و الاختصاص من المجتهدين فلينتبه لذلك و ليعض عليه بالنواجذ .
الشرك :
كذلك ينقسم إلى شرك أكبر و هو دعاء إله أو آلهة مع الله أو دون الله و فيه قوله تعالى :” ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ” وشرك أصغر مثل قوله صلى الله عليه وسلم” من حلف بغير الله فقد أشرك ” وقوله : ” من علق – أي – تميمة فقد أشرك ” .
النفاق :
النفاق الأكبر هو نفاق العقيدة وهو أن يبطن الكفر ويظهر الايمان خداعاً وكذباً وهو المذكور في أوائل سورة البقرة : ” ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين ، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون “.
وهناك النفاق الأصغر وهو نفاق العمل بمعنى أن يتصف المرء المسلم بصفات المنافقين و أخلاقهم و لكن قلبه مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وهذا ما جاءت به الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه و سلم :”آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ” . و يقول المؤلفان أن الحكم على شخص بعينه بالكفر الأكبر وأنه من أهل الوعيد أمر خطير كما وضحنا، لذا أوضح كثير من العلماء خطورة هذا الأمر وجعلوا له ضوابط وشرائط لا بد من انطباقها على الشخص المعين وعلى من يحكم عليه بذلك . ص 124 .
ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهداً مخطئاً مغفوراً له ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله أوقبل موته استشعر جرمه وخشي لقاء ربه كما غفر للذي قال” إذا مت فاسحقوني ثم ذروني، ثم غفرالله له لخشيته ..ص125
ما حكم مرتكب الكبيرة ؟ يقول الشيخ ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية قائلاً :” الجواب أن أهل السنة متفقون جميعاً على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية كما قالت الخوارج ، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً يقتل على كل حال ولا يقبل عفو ولي القصاص ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الاسلام . ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والاسلام ولا يدخل في الكفر ولا يستحق الخلود مع الكافرين كما قالت المعتزلة فإن قولهم باطل أيضاً إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين قال الله تعالى :” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل ” إلى قوله تعالى :” فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف ” . فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا وجعله أخاً لولي القصاص والمراد أخوة الدين بلا ريب . ص 128 .
وقال تعالى :” وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بين أخويكم ” . ونصوص الكتاب والسنة والاجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل بل يقام عليه الحد فدل على أنه ليس بمرتد وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :” من كانت عنده لأخيه مظلمة … إلى آخر الحديث . فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه .
وقال الله تعالى :” إن الحسنات يذهبن السيئات ” فدل ذلك على أنه في حال مساءته يعمل حسنات تمحو السيئات , والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار لكن الخوارج قالت نسميه كافراً ، وقالت المعتزلة نسميه فاسقاً فالخلاف بينهما لفظي فقط وأهل السنة أيضاً متفقون على أنه يستحق الوعيد المترتب على ذلك الذنب كما وردت به النصوص ص 129 .
ويستدل المؤلفان في حكم مرتكب الكبيرة من قول النووي :” وأما من مات وله معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى فإن شاء عفى عنه وأدخله الجنة أولاً وجعله كالقسم الأول :” الذين يدخلون الجنة لأنهم لم يذنبوا أو تابوا ” وإن شاء عذبه بالقدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل ، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل ، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة .
وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأئمة على هذه القاعدة وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله ليجمع بين نصوص الشرع . ص 130 .
ويقول المؤلفان وهكذا سقنا هذه الأقوال والأدلة المختصرة لنبين أن المعاصي ليست كلها كفراً مخرجاً من الملة وأن مرتكب الكبيرة لا يكفر إن مات على التوحيد وهناك من يحمل فكراً ضالاً ومنحرفاً يستندون على حديث :” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” ( لنفي الإيمان عن الزاني ) و للرد على هؤلاء يشير المؤلفان إلى قول النووي :” قوله صلى الله عليه وسلم “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهومؤمن ” فالقول الصحيح الذي قاله المحققون : إن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره ” ص 131 .
ويقول عز و جل :” إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ” مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصوا الإيمان أن تابوا سقطت عقوبتهم وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة فإن شاء الله عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولاً وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة .
والكفر المخرج عن الملة لا تزول عقوبته الآخروية إلا بالتوبه ، أما عقوبة الذنوب في الآخرة فقد دلت نصوص الكتاب و السنة على أنها تزول عن العبد لعدة أسباب : ( التوبة ـ الاستغفار – الحسنات الماحية – الدافع للعقاب – ما يعمل للميت من أعمال – شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم – المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا – ما يحصل في القبر من فتنة والضغطة والروعة- أهوال يوم القيامة و شدائدها – رحمة الله تعالى و عفوه و مغفرته بلا سبب من العباد ) .
ويختتم المؤلفان هذا الفصل بقولهما ” والآيات و الأحاديث تتواتر لتؤكد أن الله يغفر الذنوب جميعاً دون الشرك من غير توبة للعبد متى شاء ذلك سبحانه وتؤكد سعة رحمة الله رب العالمين التي وسعت كل شيء فليت هؤلاء الذين يتسرعون ويحكمون جهلاً على عصاة الموحدين بالكفر ليتهم تدبروا هذه النصوص وفهموا مقاصد الشريعة وتخلقوا بأخلاق الله الذي جعل رحمته تغلب غضبه ” لما خلق الله الخلق
إرسال تعليق