حديث عن الفارق بين القيادة الكاريزمية وحب السعي إلى السلطة والثروة؟

  • بتاريخ : 20 ديسمبر، 2024 - 00:55
  • ريحانة برس- محمد  عبيد

    تضع بلادنا بعض الحماس في رحلتها لإطلاق تنميتها متعددة الأبعاد…وهي تفعل ذلك بحيوية وكثافة، من خلال إمكاناتها الطبيعية وطاقتها الصناعية وكفاءتها البشرية.

    وفي الواقع، فإن المملكة المغربية، التي تنعم بنظام ملكي حذر، تحتوي على مصدر لا ينضب من حسن النية، يعززه تاريخ أمة يبلغ عمره اثني عشر قرنا.

    خلال هذا العمر الطويل، لم تعلم سوى الحكمة والمرونة والابتكار لأجيالها القادمة.

    إن الأجيال القادمة في مرحلة الازدهار لن تقبل بعد الآن الرداءة والتفاهة والضعف من جانب صناع القرار.

    قال عالم الاجتماع الفرنسي المئوي إدغار موران: “المعلم هو الذي يستطيع من خلال ما يصرح به أن يساعدك على اكتشاف حقائقك الخاصة! “.

    ومع ذلك، فهل ما زلنا نستحق أن يكون على رأس السلطة التنفيذية زعيم يفتقر بشكل رهيب إلى اللباقة الخطابية ولا يمزج بين سلطتي السياسية والمال؟

    بين أن نجعل غاية السياسة عندنا هي تعزيز السلطة أو زيادة الثروة، أو نجعلها ترتقي إلى بناء الدولة وترقية مؤسساتها يَكْمن الفرق بين النظرة الموغلة في تفاصيل الراهن وتلك المتطلعة للمستقبل..

    هل غاية كل مغربي حقا، هي البحث عن السلطة والمسؤولية مهما صغرت درجتها، والثروة مهما قلّت قيمتها؟
    وهل افتقد حقيقة تلك القناعة بأن عليه أن يُعزّز أركان دولته ويعطي أولوية لمؤسساتها باعتبارها مقنِّنة السلطة والثروة وحامية لهما؟ وما الذي ينبغي تصحيحه إذا كان الكثير يقولون لك اليوم: هي خرافة أن تُحدِّثنا عن وجود مَن يؤمن بأولية الدولة على السلطة والثروة؟

    الصحراء المعرفية، وفراغ الحواس، وهذا الامتداد اللامتناهي من العدم لكل من المشاعر ونتائجها الطبيعية، المشاعر التي تحدد أصلها وأغراضها المتعددة.

    لأنه، يجب ألا ننخدع، فإن الشخص الذي يقفز في الصهارة ليس هو الشخص الذي تذوب بواسطة الحمم البركانية التي تنفجر وتتدحرج على المنحدر.
    الفرق يتجاوز الفروق الدقيقة. وليس كل شخص لديه شجاعة إمبيدوكليس.

    ومن هذه الرؤية لأنفسنا في وجه الحياة نتحقق، بشكل لا لبس فيه، من أنه بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون، لا حاجة إلى أي دليل.
    كما ثبت أن الذين لا يؤمنون لا يكفيهم برهان.

    في مواجهة مثل هذا الموقف الذي لا ينفصم فيما يتعلق بما يفترض أن نكون عليه وكيف يجب أن نتصرف، بالنسبة لكثير من الناس، يجب القول بأغلبية كبيرة، هناك موقف بسيط واجتماعي للغاية: الاعتقاد بأنفسنا كشخصية… لأن هذا أمر شائع جدًا وسهل جدًا.
    هناك نجعلنا نبدو وكأننا رجل ذو أهمية، وغالبًا ما نكون مجرد أفراد مغرورين.

    إنها حقا مشكلة معنا… الجميع يطالب بمنصب، أو مكانة، لمجرد أنهم قرروا المطالبة بها.. وهو يتحمل ذلك… تصبح هذه هي القاعدة… طبيعة ثانية تنتهي إلى أكل الأولى وإبادتها.

    إنه وعلى عكس ما قد يتبادر إلى الذهن لم تعد حالة أولوية حب السلطة والمال واعتبارهما غاية، على حساب حب الدولة ومؤسساتها اليوم مقتصرة على السياسيين وكبار المسؤولين أو رجال الأعمال، إنما عمَّت لتصل إلى أدنى مستويات المسؤولية وأدنى مستويات الثراء، حتى إننا أصبحنا لا نَعلم في أي مكان وجود المسؤول البسيط الذي لا يريد أن يُفرّط في منصبه مدى الحياة، والباحث عن فُتات المال الذي لا يتوقف عن جمعه ولو بالتقسيط، مما أدى إلى تقهقر مسائل هي في الأساس جوهرية لبناء أية دولة أو إنشاء أية مؤسسات مثل التضحية والإخلاص في العمل والتعفف عن طلب المسؤوليات إلا إذا كانت تكليفا مستحقا.

    ولعل هذا ماجعل الجميع اليوم لا يرون في كل داع للتغيير أو الإصلاح سوى مجرد باحث عن بعض السلطة أو بعض المال، وما أدى إلى افتقادنا ذلك الإحساس بأنه يوجد بالفعل مَن يعمل لأجل المؤسسات، لأجل الآخرين، لأجل بناء الدولة بأركانها المختلفة.

    الكل اليوم في سلة واحدة لا فرق بين هذا أو ذاك، جميعهم، في نظر جميعهم، يبحثون عن مزيد من السلطة والمال ولا أحد يحمل هَم الدولة أو مؤسساتهاـ تلك شعارات يقول لك الكثير لن يخدعنا بها أحد.

    هل هذا وضع طبيعي؟ هل يمكن أن نستمر كدولة في المستقبل بهذا النوع من السلوك وبسيادة هذا النوع من القيم؟ أم أن مصيرنا سيكون التناحر والتفتت من أجل السلطة والمال إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه؟

    يبدو لي هذا تخوف رئيسي ينبغي أن نطرحه اليوم وفي المستقبل؟ هل سنفتقد لرجال دولة في العقود القادمة؟ هل سيُلغى مفهوم التضحية من أجل الدولة من قاموسنا السياسي؟ وما مصيرنا بعد ذلك؟

    لقد ألح عليَّ هذا السؤال وأنا أستمع لمن يروي أن مسؤولا كبيرا يسأل معارضا تخلى بإرادته عن منصب مسؤولية كبير: وما الذي تريده؟ المنصب وكنت فيه واستقلت؟ المال ولديك ما يكفي؟ إننا لا نفهم ما الذي تريد؟ مختصرا كل الوجود الاجتماعي والسياسي للفرد في البحث عن المنصب أو المال، ناسيا أنه بإمكان هذا المرء أن يكون مِن مَن مازالوا يحملون هَم بناء الدولة وإقامة المؤسسات، بل ونافيا أن يكون هذا الاحتمال واردا من الأساس.

    ولعل الأمر يكاد ينطبق علينا جميعا، نواجَه بمزيد من السخرية والاستهزاء والتكذيب كل من دعا أمامنا إلى حب الوطن وبناء الدولة والتضحية من أجل المؤسسات لا الأشخاص، ونكاد نجزم أنه لم يبق في بلادنا من يؤمن بمثل هذه المُثل، وكأنها ماتت إلى الأبد أو لم توجد أبدا…

    بعد عقود من استعادة الاستقلال، نكاد نتنكر للقيم التي ضحى من أجلها آباؤنا، ونجزم أنه لا وجود لها بيننا، بل ونعيب ذلك على مَن تحدث بها أو عنها في حالة من الجزم المطلق بأننا ـ بلا استثناء ـ نبحث عن السلطة أوالمال أو نريد الجمع بينهما ولا شيء غير ذلك؟
    هل مثل هكذا وضع سليم؟ وما هي تداعياته على المستقبل؟ وكيف علينا علاجه؟

    لا أتصور بأن الدول القوية اليوم يحكمها رجال أو نساء لا يحبون سوى السلطة والمال، بل إني أراها دول تعكس المعادلة تماما، كل ما تملك من مال أو كل ما يملك قادتها من سلطة إنما هو في خدمة الدولة وليس العكس، وما الأمريكيين إلا نموذجا لذلك، رغم حبهم الجم للسلطة والمال وشنهم الحروب لأجل ذلك، كل ذلك بالنسبة لهم هو في خدمة الدولة الأمريكية ومؤسساتها، أبدا ما يساومون في ذلك أو يترددون في الدفاع عن ذلك، إدراكهم الواضح أنهم لا شيء بأموالهم وسلطتهم إن لم تكن هناك دولة اسمها الولايات المتحدة أو مؤسسات اسمها مجلس النواب ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض والبنتاغون والسي أي أي والقضاء الفدرالي وغيرها من المؤسسات… أي أن القادة الأمريكيين ليسوا فقراء بالمعنى الحقيقي ولا تنقصهم السلطة الحقيقية لأن لديهم دولة وليس العكس…

    وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الدول القوية عبر التاريخ أو خلال هذا القرن الجاري، أبدا ما كانت كذلك من خلال اقتصار قادتها على حب السلطة والمال ونسيان تعزيز أركان الدولة ومؤسساتها.

    لا أتصور بأن الدول القوية اليوم يحكمها رجالٌ أو نساء لا يحبون سوى السلطة والمال، بل إني أراها دولاً تعكس المعادلة تماما، كل ما تملك من مال أو كل ما يملك قادتها من سلطة إنما هو في خدمة الدولة وليس العكس، وما الامريكيون إلا أنموذجٌ لذلك، رغم حبهم الجم للسلطة والمال وشنهم الحروب لأجل ذلك.

    وهذا الذي ينبغي ألا ننساه اليوم، والذي ينبغي أن ينتبه له كل من امتلك السلطة أو المال أو بعض السلطة وبعض المال أو جمع بينهما، غير صحيح أن يطرح السؤال: وماذا تريد أيها الرجل؟ أو ماذا تريدين أيتها المرأة؟: أكثر من بعض المال أو بعض السلطة؟ بل عليه أن يتذكر باستمرار أن هناك دولة ينبغي أن تكون فوقهما معا: السلطة والمال، وينبغي أن لا يتم تغييبها من معادلة الوجود، لأن ذلك يعني دفعها قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى تلك النوعية من الدول التي سارت في طريق التفكك والاضمحلال.

    ألم يتم إغراء الكثير من المسؤولين في الدول العربية التي هي الآن في حال تفكك بالسلطة والمال مقابل تخليهم عن الإطار الأشمل لدولهم ورموزها؟ ما الذي حدث بعدها؟ السيناريو المعروف اليوم والذي لن ينتهي إلا بالانهيار التام، وهذا الذي ينبغي أن نعمل على تجنبه من خلال تعزيز سلطة مؤسسات الدولة على حساب سلطة أفراد امتلكوا السلطة والمال، والبداية ينبغي أن تكون بالبرلمان في المحطة المقبلة ثم باقي المؤسسات، ليس أمامنا خيار آخر في المستقبل إذا أردنا أن نبقى ثم نقوى…

    أما الرهان على الأشخاص مهما كانت لديهم من سلطة ومهما كانوا يملكون من مال؟ فهو رهان فاشل لا يمكنه إلا أن يؤدي إلى مزيد من الفشل، ولا يمكننا الانتصار عليه إلا بالعودة من جديد إلى القيم العليا للدولة والمؤسسات..