ليس هذه المرة الأولى التي ينتقد فيها الأستاذ محمد رفقي عبد الوهاب ( التراث الإسلامي ) كما يحلو له تسميته – انتقاد بدون فهرس – ، لكن هذه المرة كان نقذه
بسم الله الرحمن الرحيم , والصلاة والسلام على نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه ومن والاه
ثم أما بعد
ليس هذه المرة الأولى التي ينتقد فيها الأستاذ محمد رفقي عبد الوهاب ( التراث الإسلامي ) كما يحلو له تسميته – انتقاد بدون فهرس – ، لكن هذه المرة كان نقذه له أبشع حيث أراد إلصاق إطلاق حكم الردة بلا ضوابط وإهراق الدماء المعصومة .. به ، من خلال إتهامه ( للتراث السني ) وتبرئة الخوارج حيث أن من يقوم بذلك خالف الخوارج في أهم أصلين من عقيدة الخوارج : التكفير بالكبيرة و إنكار العمل بالسنة ، وهذا نوع من التشويش على من يريد فهم ما يحدث , وضرب من الخلط ، لهذا أنقل للأستاذ محمد رفقي بعض النقولات في من يطلق عليهم إسم الخوارج .
قال ابن كثير في البداية والنهاية (14/23) :
” وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه فقال الشيخ تقي الدين هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة فتفطن العلماء والناس لذلك وكان يقول للناس إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد ” .
فتأمل هذه الحادثة وستجد أن هذا هو فهم أكابر العلماء أن الخوارج ليس من شرطهم أن يكفروا بكل كبيرة او إنكار العمل بالسنة!
وقد أطلق ابن كثير على الغوغاء الذين خرجوا على عثمان وقتلوه اسم الخوارج / البداية والنهاية 7/202.
وقال الشهرستاني في كتابه الملل والنحل : كلّ من خرج على الإمام الحقّ الذي اتّفقت الجماعة عليه يُسَمّى خارجيّاً سواء كان الخروج في أيّام الصحابة على الأئمة الراشدين أو ( من) كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كلّ زمان ( ج1/ص114 ) .
فأين هنا اشتراط التكفير بالكبيرة…؟
وقد اختلف كتاب الفرق في صنوفهم فمنهم من أفرد لهم عددًا كبيرًا كالإمام الرازي الذي عدد لهم واحدا وعشرين فرقة[اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 46- 51]، أو ما يقرب من نصفه هذا العدد كالملطي[الملطي، التنبيه والرد على أهل الأهواء]، بينما جمعهم الإمام الأشعري في أربعة فحسب[مقالات الإسلاميين، ص 101.]
فالملطي (377هـ- 987م)- وكتابه من أقدم المصادر للفرق الإسلامية – يجمع بين (الشراة) و (الخوارج) في الاسم ويقسمهم إلى الفرق الآتية:
الأولى: المحكمة الذين كانوا يخرجون بسيوفهم إلى الأسواق ويجمعون الناس منادين بشعارهم الشهير (لا حكم إلا لله) ثم يضربون الناس بسيوفهم فيقتلون من يلحقون به ولا يزالون يقتلون حتى يقتلوا، ولهذا خشيهم الناس.
وهم في دفاعهم عن هذا المبدأ (لا حكم إلا لله) يعتقدون أنه لا تحكيم في دين الله لأحد من الناس إلا بالغة ولهذا السبب لا يحكمون بينهم حكمًا، فلما حكم أبو موسى الأشعري بين علي ومعاوية، ثم قام بخلع علي، كفروهم لأنهم حسب اعتقادهم جعلوا الحكم لأبي موسى الأشعري وينبغي ألا يكون هناك حكم إلا لله تعالى… وكلهم يكفرون أصحاب المعاصي، ومن اختلف معهم في مذهبهم[الملطي، التنبيه، ص 501.]
الثانية: وهم الأفارقة والعمرية أصحاب عبد الله بن الأزرق، ويرجع الشيخ الكوثري التسمية الصحيحة لهذا الشخص أي نافع بن الأزرق، وأتباع عمر بن قتادة
وهؤلاء أقل الخوارج شرًا لأنهم لا يرون إهراق دماء المسلمين، ولا غنم أموالهم ولا سبي أولادهم ويعتقدون أن المعاصي كفر، ويتبرءون من عثمان وعلي إلا أنهم يتولون أبا بكر وعمر، وهم ورعون مجتهدون قوامون بالليل لعبادة الله[نفس المصدر، ص 54. 55.
الثالثة: أصحاب شبيب الخارجي الذي خرج على الحجاج بن يوسف وكان لا يقتل أحدًا ولا يشي ولا يستحل شيئًا مما حرم الله إلا ما يستحله من الحجاج وأصحابه فقط، ولكنه مع هذا كفر السلف والخلف متبرئًا من عثمان وعلي مع توليه للشيخين. وقد تفرق أصحابه بعد وفاته[المرجع السابق، ص 55.]
الرابعة: هم النجدية (أو النجدات) أصحاب نجدة الحروري، وهو أيضًا ممن يكفرون السلف والخلف.- و النجدية من أكبر فرق الخوارج ، لا يرون التكفير بالكبيرة ، قال أبو الحسن في وصف قول الخوارج في أصحاب الكبائر : ” وأجمعوا أن كل كبيرة كفر إلا النجدات ، فإنها لا تقول بذلك ” مقالات الإسلاميين (ص86) وهذا فيه رد على الأستاذ أبي حفص , وقد أقر ذلك العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي قال : ” ومن أصولهم- أيضًا-: التكفير بالكبائر ، فمن ارتكب كبيرة فهو كافر. وتخليد من ارتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين. ولذا سموا وعيدية “(مذكرة التوحيد (ص 121)) أهـ.-
الخامسة: وهم الإباضية أصحاب أباض بن عمرو الذين خرجوا من الكوفة فقتلوا الناس وسبوا وقتلوا الأطفال وكفروا الأمة وأشاعوا الفساد وما زال منهم اليوم بقايا بسواد الكوفة، هذا ما يذكره الملطي.
السادسة: الصفرية وهم أتباع المهلب بن أبي صفرة، ويرجع الشيخ الكوثري تصحيح الاسم إلى زياد بن الأصفر، وقد خرجوا أيضًا على الحجاج، ولكنهم لم يؤذوا الناس ولم يكفروا الأمة ولم يقوموا بشيء من قول الفرق التي تقدم ذكرها.
السابعة: الحرورية الذين يكفرون الأمة متولين الشيخين ويتبرءون من السنتين (عثمان وعلي) ويسبون ويستحلون الأموال والفرو، ويستمدون الأحكام من القرآن فحسب غير قائلين بالسنة أصلًا
الثامنة: الحمزية نسبة إلى حمزة الخارجي، وهم يشبهون الحرورية في معتقداتهم غير أنهم لا يستحلون أخذ مال أحد إلا بالقتل فإن لم يجدوا أصحاب المال لم يأخذوا من المال شيئًا. فإذا ظهر صاحبه قتلوه واستحلوا المال حينئذ![ المرجع السابق،ص 56].
التاسعة: الصلتية وهم أصحاب الصلت بن عثمان، ويشتركون مع الفرقتين السابقتين في شريعتهما، وهم أكثر الخوارج شرًا وأكثرهم فسادًا لأنهم يقتلون غيرهم من المسلمين ويستحلون الأموال في جميع الأحوال.
العاشرة: وهم الشراة الذين يكفرون أصحاب المعاصي في الأفعال الصغيرة والكبيرة متبرئين من عثمان وعلي متولين الشيخين.
وهم فرقة معتدلة كما تدل عليه معتقداتهم. فهم لا يستحلون أموال المسلمين ولا سبي نسائهم ولا يخالفون أحكام الدين سواء كان مصدرها القرآن أو السنة كما أنهم أصحاب كتب تتضمن مذهبهم ولهم علماء وفقهاء ومروءة ظاهرة والعصاة عندهم كفار نعمة لا كفار شرك.
ويقول الملطي أيضًا: (وقد ظهر فيهم اليوم مذاهب المعتزلة فمنهم من ترك مذهبه وقال بالاعتزال)[ نفس المصدر، ص 57]
لهذا التكفير بالكبيرة لا يجمع طوائف الخوارج كما تقدم ، وشرط الوصف المميز أن يكون جامعاً فارقاً.
لم يأت في نصوص النبي صلى الله عليه وسلم ضبط وصفهم بالتكفير بالكبائر كالزنا والسرقة والقذف ونحو ذلك .
ولم يأت في صفة الخوارج الأول أنهم استحلوا الدار تبعاً لذلك . بل هم استحلوا الدار تبعاً لتكفيرهم علي رضي الله عنه ومن كان على رأيه ، ومن ثم استحلوا عموم الدار ، فقتلوا وأغاروا على سرح الناس يعني ماشيتهم السائمة .
و”ليس من شرط نسبة أحد إلى فرقة أو جماعة بدعية ،أن يقول بكل أصولهم وفروعهم ،بل يكفي أن يوافقهم في أهم أصولهم
فمن سب الصحابة فهو رافضي ،ولو لم يلتزم أصول الرافضة كاملة من عصمة الأئمة وغيرها، ومن عطل بعض الصفات سمي معطلاً ولو أثبت كثيراً من الصفات
بل إن تسمية المعطلة بمختلف درجات تعطيلهم جهمية ،معروفٌ عن كثير من الأئمة،مع أنهم لا يوافقون الجهمية في كثير من أصول الجهمية البدعية
وإذا أردنا معرفة أهم أصول الخوارج ،فهي الأوصاف التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة أحاديث في صحيح مسلم وبعضها في البخاري
وليس الأوصاف التي لحقت بهم بعد ذلك ،والتي أخذوها من المعتزلة أو غيرهم، فلو كانت تلك الأوصاف التي وافقوا فيه الفرق الأخرى هي أهم أصولهم
لم يحذر الرسول منهم ويترك تلك الفرق البدعية التي هي أصل تلك البدع،فلم يصح في فرق من النصوص التحذيرية ما صح في الخوارج،بسبب ما تفردوا به
فكيف نتجاهل الأوصاف الواردة في النصوص،ونذهب لأوصاف بدعية هم فيها فرع وغيرهم أصل ،ولو كانت تلك الأوصاف هي المقصودة لكان التحذير من الأصل”[حمود بن علي العمري
بعض الأوصاف النبوية للخوارج أنهم ( شر الخلق والخلقية ) كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وأن قتلاهم ( شر قتلى تحت أديم السماء ) كما عند الطبراني مرفوعا، وأنهم ( كلاب النار ) كما في مسند أحمد ، وأنهم : (قوم يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) كما ثبت ذلك في الصحيحين , وأنهم ( يقتلون أهل الإسلام ويَدَعُون أهل الأوثان ) متفق عليه , و: ( حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام ) متفق عليه، و: ( يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ) متفق عليه, ومما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج قوله: ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم ) متفق عليه…
إرسال تعليق