المصحة التي تعالج الجسد… وتُرهق الضمير

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 4 نوفمبر، 2025 - 21:14
  • الزيارات : 72
  • ريحانة برس 

    في طنجة، مدينة البهاء والتاريخ والأنوار، حدث ما لا يخطر على بال حتى أكثر الروائيين السوداويين خيالاً. في مصحة خاصة يفترض أن تكون حصناً للعناية والرحمة، استيقظت سيدة مسنّة لتجد أن “الشفاء” لم يشمل سوى جسدها، أما ذهبها فقد شُفي من ثقل الخزائن والتحق بعالم المفقودات.

    نُقلت السيدة إلى المصحة لتتلقى العلاج، لكن يبدو أن بعض الأيادي هناك كانت أكثر حماسة للعلاج من الحساب البنكي منها لحالة المريضة.

     استُبدلت أساورها الذهبية بأخرى من نوع “بلاكيور” معدن رخيص يشبه الذهب كما تشبه بعض الضمائر الإنسانية الأخلاق في ظاهرها فقط.

    المفارقة أن المشتبه فيهم يرتدون الأبيض، رمز الطهر والرحمة. لكن يبدو أن البياض أحياناً ليس إلا ستاراً يخفي خلفه رماد الطمع وبقع الجشع. فهل نلوم المهنة التي شُرّفت بخدمة الإنسان، أم نلوم من لوّثها وهم يرتدون قفازات التعقيم ليُخفوا آثار الخيانة؟

    المؤسف أكثر هو أن إدارة المصحة حسب بعض المصادر فضّلت الصمت، ربما على أمل أن تنسى الذاكرة الجماعية الواقعة كما تُنسى الملفات في أدراج البيروقراطية. لكن هيهات، فالفضيحة في زمن الإنترنت أسرع من إشاعة في مقهى صباح الاثنين.

    الدبلوماسية لا تمنعنا من القول إن سمعة المؤسسة الطبية تُقاس اليوم ليس فقط بنجاح العمليات، بل أيضاً بسلامة الأمانة. فالثقة في القطاع الصحي ليست ترفاً، بل هي عمود من أعمدة الأمن الاجتماعي.

    ما حدث في طنجة ليس مجرد حادثة سرقة، بل تشخيص دقيق لمرضٍ مزمن اسمه انهيار القيم في بعض مفاصل المهن النبيلة. المريضة فقدت ذهبها، لكن المجتمع بأسره فقد شيئاً أثمن: الإحساس بالأمان داخل جدران من يفترض أنهم ملائكة الرحمة.

    ختام القول

    نعم، قد تُعاقَب الأيدي التي امتدت إلى الأساور، ولكن هل سنحاسب العقول التي سهّلت الصمت، والأنظمة التي لم تحمِ المريض من الجشع باسم “الاحتراف”؟

    ربما آن الأوان لأن نعيد تعريف “المصحة”: ليست مكاناً لتعقيم الجسد فحسب، بل لتعقيم الضمير أولاً.