العالم يودع سنوات الستينيات الميلادية كان هناكمدرس سوري شاب ملتحٍ وضعيف البنية، يحزم أمتعته شادا الرحال تجاه مدينة بريدة فيوسط السعودية، هربا من مضايقات
العالم يودع سنوات الستينيات الميلادية كان هناكمدرس سوري شاب ملتحٍ وضعيف البنية، يحزم أمتعته شادا الرحال تجاه مدينة بريدة فيوسط السعودية، هربا من مضايقات أمنية يتعرض لها من نظام حافظ الأسد في دمشق، ضاعفمنها ان الشاب أصبح غير مقبول من قيادات تنظيمه في حركة الاخوان المسلمين، ما جعلهيقرر سريعا المغادرة، دون ان يكون في باله ان القدر سيضعه في قائمة اكثر الشخصياتالإسلامية تأثيرا في بلد يدين غالبية اهله بمذهب السلف الصالح، ليوجد بذلك مكانالفكر كان غائبا عن معظم علماء وطلبة العلم هناك.. الفكر الحركي الإسلامي المستمد منتعاليم الشيخ حسن البنا وكتابات سيد قطب.
هذا الشاب (محمد بن سرور بن زينالعابدين) الذي جاء للسعودية مدرسا لعلوم الرياضيات في معهد ديني متواضع، اضطرلاحقا للخروج مغاضبا في بدايات العام 1991 عندما اشتدت عليه الضغوط مرة اخرى بسببالتأثيرات الكبيرة التي احدثها وسط طلبة وعلماء الشريعة وفي نفوس معظم الشبابالمتدين انذاك، ليذهب إلى لندن مستقره الحالي، ويبدأ من هناك مسيرة جديدة في حياتهالدعوية والفكرية والسياسية، غير أنها لم تكن ابدا بذات زخم فترة السعودية التي ذاعبسببها اسم سرور زين العابدين من مدرس متواضع إلى شخصية فكرية مؤثرة على امتدادالعالم الإسلامي.
وقصة التيار السروري أو “السرورية” كما يحلو ان يسميهادعاة الصحوة الإسلامية في المملكة، هي غريبة ومثيرة في آن، حيث كان مفاجئا ان تجدأفكار الشاب “زين العابدين” التجاوب وسط بيئة سلفية متشددة وهو القادم من الاخوانالمسلمين المعروفين بأنهم اكثر انفتاحا من تيار السلفية، ذلك إضافة إلى أن التاريخالفكري في السعودية لم يعرف له- طيلة العقود الماضية- تماهيا مع أفكار قادمة منالخارج، ولذلك كانت “السرورية” حالة خاصة، تستحق ان تروى وان تستوفي حقها من الدرسوالتمحيص.
كان مجيء الشيخ سرور زين العابدين إلى السعودية في بادئ الأمرلتدريس علم الرياضيات في المدارس الثانوية، وهي المهنة التي كان يمتهنها قبلاختلافه مع جماعة الاخوان في دمشق، ومن ثم اضطراره إلى الخروج من سوريا. واستقرالشاب السوري اول قدومه في منطقة القصيم (وسط السعودية) التي تعتبر معقل الدعوةالسلفية وبخاصة مدينة بريدة التي يضرب بها المثل في تمسك ابنائها بتعاليم المدرسةالسلفية.
وعقب تعرفه على احوال المنطقة ودرسه لثقافتها وامزجة ابنائها، بدأالشيخ سرور زين العابدين، في بث افكاره مفضلا في البداية الانطلاق من الشبابالمتحلقين حوله والذين وجدوا في حديثه شيئا جديدا ثوريا لم يألفوه في خطاب علمائهممن السلفيين حيث كانت أفكاره بجانب ثوريتها وحركيتها تصيغ في مجموعها خطا وسطا بينالسلفية وفكر الاخوان، وابلغ وصف لهذه الثنائية جاء من احد الباحثين السعوديينعندما قال: ان محمد سرور زين العابدين “جمع بين عباءة الشيخ محمد بن عبد الوهابوبين “بنطال” سيد قطب ومحمد قطب، حتى غدت هذه الشخصية أهم وأبرز مرجع حركي للشبابالصحوي السعودي من خلال إمساكه بكتاب التوحيد باليد اليمنى والظلال باليد اليسرى،أو من خلال قيامه بعقد قران بين الوهابية والقطبية“.
وكان محمد سرور طيلةفترة تواجده بالمملكة- كما يقول الباحث الإسلامي السعودي خالد المشوح- مؤثراومتأثرا في ذات الوقت فقد أثر على تيار من الشباب برؤيته الإخوانية من حيث التنظيموالحاكمية والسياسة التي لم تكن تشغل التيار السلفي حينها، وفي ذات الوقت تأثربالأطروحات السلفية التي تسود المجتمع السعودي وهو ما ولد بعد ذلك هجيناً جديدا علىالساحة الإسلامية شكل الشريان الأكبر في ما عرف بالصحوة بعد ذلك وهو(السرورية).
وبدفع من العدد الضخم لمنابر الخطابة المتوفرة في المملكةوانتشار الجمعيات الخيرية لقيت افكار الشيخ سرور انتشارا واضحا في فترات السبعينياتوالثمانينيات، واصبح له انصار كثر وسط النخبة الشرعية بالمملكة وبخاصة فئة الشبابانذاك وتتلمذ عليه مجموعة من الاسماء التي برزت لاحقا في سماء العمل الدعوي فيالمملكة ويعد ابرزهم حاليا الشيخ عائض القرني.
وتسمية “السروريين” التييرفضها أغلب إسلاميي السعودية، ويرفضها سرور نفسه، كما يقول الكاتب الإسلاميالسعودي ابراهيم السكران والذي إلى فترات قريبة كان يصنف ضمنها. تطلق حاليا علىمجموعات كبيرة من العلماء في المملكة لهم نوافذهم الاعلامية المقدرة، وهي تسميةيعتقد ان مصدرها جاء من خصوم التيار السروري والمتضررين منه خاصة من تيار الاخوانالمسلمين الذين رأوا في هذا التيار اهدارا لطاقات العمل الإسلامي.
وعن ملامحالمنهج السروري يقول السكران في حديث له مع صحيفة لندنية: السرورية هي “منهج يختلفعن المنهج الاخواني والسلفي التقليدي، تقوم على المزج بين شخصيتين إسلاميتين هامتينهما: ابن تيمية وسيد قطب!” ويتابع: أخذوا من ابن تيمية موقفه السلفي الصارم منالمخالفين للسنة من الفرق والمذاهب الاخرى مثل الشيعة، وبالتالي فهم استمدوا من ابنتيمية (المضمون العقائدي). وأما سيد قطب فأخذوا منه (ثوريته) وآمنوا ايمانا تامابمقولة الحاكمية لديه.
أما عن توصيف الحركة التي انشأها سرور زين العابدينفيذكر الخبير الاستراتيجي السعودي (الدكتور انور ماجد عشقي) أن السرورية تنظيم حركيبدأ بكونه تيارا، وهو يشهد تراجعا داخل المملكة نظرا لأن بعض تلامذة سرور مثل عائضالقرني قاموا الآن بتصحيح أفكارهم وعارضوا فكرة تسييس الإسلام، ورفضوا تأييد العنفكسبيل وحيد لمواجهة ما يسمونه بموجة الإلحاد والحداثة، وقد اعتمد هؤلاء وغيرهم علىإعادة قراءة السيرة النبوية في مراجعاتهم، لأن السيرة كفيلة بتصحيح جميع الأفكارالدخيلة على الفكر الإسلامي.
ويقدم الداعية السعودي البارز عوض القرني رؤيةمغايرة عن تأثير محمد سرور زين العابدين في المشهد الديني والدعوي في السعودية، حيثيرى أنه خلال السنوات التي قضاها في المملكة حمل من المشهد الديني والثقافي أكثرمما أثّر، حيث ترافق وجوده مع نشأة ما عرف بالصحوة الإسلامية.
ويؤكد أنالسرورية تيار إسلامي فكري موجود في العديد من البلدان العربية بجانب السعودية(التي انطلق منها هذا التيار)، وهذا التيار له محددات ومواقف متقاربة أو متشابهة،وأحيانا متطابقة حيال الكثير من القضايا الدينية، والفكرية، ولهذا التيار رموزهالفكرية والدعوية في المملكة، وهم ينطلقونفي دعوتهم من خلالها، لكن يرفض القرني أنيسمي أيًّا من هذه الرموز أو يؤكد وجود علاقات شخصية أو أكثر من شخصية بينهم، لكنهيؤكد وجود علاقات فكرية بينهم أو ما يسميه بـ”التقاطع الفكري“.
وفي دراسةتحمل عنوان “السرورية” نشرت مؤخرا يصنف الكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبيالسرورية كتنظيم حركي استطاع السيطرة على كثير من المراكز الحساسة في الهيئاتالدينية والخيرية والإعلامية بالمملكة، وتغلغل في المساجد والمدارس، مستخدما مجموعةمن الأفكار والمناهج والآليات التي استطاع أخذها وتطويرها من فكر سيد قطب وأخيهمحمد قطب المقيم في السعودية حاليا، ومن التجربة الحركية الإخوانية.
الكاتبالصحفي واستاذ الادب الانجليزي في الجامعات السعودية (علي الموسى) استعرض في مقالةله عن تيار “السرورية” في المملكة وقال انها قامت على مبدأ “الحركة ضد السكون” وصورت لأنصارها أن المؤسسة السلفية التقليدية جامدة في نظرتها لمفهوم السياسةوالبيعة فبثت في المريدين شحنة من لقاح الحركية. لكنها، ومثلما كادت أن تطيحبالمفهوم السلفي وبكامل عمدان المدرسة، وقعت في ذات الخطأ بأن كانت جرعة اللقاحالتغييري أكبر وأكثر من الوصفة ولهذا اكتشف الجمهور أن صحويتها الفارطة بدأت تزلزلأساس العمارة.
وتابع الموسى “ومثلما كدنا أن نشهد نهاية المدرسة السلفيةبفعل الضخ الهائل لأدبيات السروريين في رسم صورة سلبية، فإننا اليوم نكاد أيضاً أننشهد نهاية السرورية بذات الداء والدواء: جرعة السكون والحركة. تناوبت السروريةمشهد الحركة بين حركتين، فأخذت جل قواعدها الفقهية من السلفية من أجل النفاذللمجتمع المحافظ والفوز بثقته، وأخذت من الإخوان طابع التنظيم الحركي السياسي ولكنفي مجتمع لا يميل كثيراً لركوب اللعبة السياسية. لم تكن السرورية حركة جديدة مستقلةوإنما كانت مزيجاً من ذات اللونين الموجودين وهذا ما ساعد أنصارها على التخفيطويلاً بركوب – اللون – حسب المرحلة.
لكن مزيجها المألوف لا يعني أنها لمتكن حركة“.
ومن جانبه، يعتقد الباحث الإسلامي خالد المشوح ان التيار السرورييشكل اليوم القطاع الأكبر والأكثر انتشارا في المملكة على وجه الخصوص ومنطقة نجدعلى الأخص من ذلك، لكن يتضح للمراقب أن السرورية وإن كانت نجحت في خلق جيل مطلع محبللقراءة والمعرفة إلا أنها أخفقت كغيرها من التيارات الدينية في مجاراة التحديثالمتسارع للمجتمع، ما نتج عنه شبه ازدواجية بات أفراد هذا التيار يتبادلونها منخلال تقوقعهم على شكليات ورمزيات كانت فاصلة في فترة التسعينيات لكنها اليوم صارتأكثر عمومية وشمولية من ذي قبل
إرسال تعليق