الحوز… حين يتكلم الركام بلغة الصبر

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 4 نوفمبر، 2025 - 08:33
  • الزيارات : 214
  • ريحانة برس 

    في الرباط، على مقربة من أسوار البرلمان، ارتفعت أصوات لم تطلب سوى أن يُسمع وجعها. لم يكن المشهد ضجيجًا بقدر ما كان نشيدًا حزينًا بلغة الكرامة. رجال ونساء جاؤوا من عمق الحوز، يحملون صور بيوتهم التي انهارت، وملامح لم ينكسر فيها الإيمان رغم قسوة التجربة. كانوا يرفعون مطالب بسيطة، لكنها في جوهرها أسئلة وجودية عن العدالة، والإنصاف، ومعنى الوطن حين تضيق به المآسي.

    زلزال الحوز لم يهدم الحجر وحده، بل كشف عن هشاشة التفاصيل التي نتغافل عنها في لحظات الرخاء. كشف أن الزمن في الأرياف يسير على إيقاع أبطأ من المدن، وأن البيروقراطية حين تتأخر في التعويض تُحوِّل الانتظار إلى عبءٍ نفسي، وإلى نقطة اختبار لثقة المواطن في الدولة.

    الاحتجاج أمام البرلمان لم يكن صدامًا، بل عتابًا راقيًا من أبناءٍ يطالبون الدولة بأن تنصت أكثر، وأن تمد يدها لا لتمنح فقط، بل لتطمئن. لأن الأوطان لا تُقاس بما تبنيه من إسمنت، بل بما تُرمّمه من أرواح.

    لقد أظهرت مأساة الحوز الوجه الحقيقي للمغاربة: تضامن عابر للمناطق، وتكافل صادق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. لكن التضامن الشعبي، مهما بلغ صدقه، يحتاج إلى إدارة رسمية بنفس السرعة والعاطفة، حتى لا تتحول النوايا الحسنة إلى صبرٍ مستنزف.

    كل تأخير في إعادة الإعمار ليس مجرّد بطء إداري، بل هو تأجيل للطمأنينة، وإطالة لعمر الخيبة. ولعل أخطر ما يمكن أن نخسره بعد الكارثة هو الإيمان بجدوى الانتظار.

    إن إعادة بناء الحوز ليست مشروعًا عمرانياً فحسب، بل رحلة أخلاقية نحو استعادة الثقة. فحين تتصالح الإدارة مع المواطن، وتُعامل صوته بقدر الاحترام الذي تستحقه إنسانيته، عندها فقط يمكن القول إنّ الوطن تعافى حقًا.

    الحوز اليوم لا يطلب المستحيل، بل فقط أن تُنجز الوعود كما قيلت، وأن تتحول القرارات إلى حياة. لأن تحت الركام ما زال هناك قلبٌ ينبض بالأمل، ينتظر من يسمعه، لا من يتحدث باسمه.

    ومن يدري؟ لعل من رحم الألم هذا سيولد وطن أكثر عدلًا، يُشيّد المستقبل على أساسٍ من إنصات صادق، لا على حطام الذاكرة.